الفَنُّ الأوَّلُ عِلمُ المَعانِي

وَهُوَ عِلمٌ يُعْرَفُ بِه أَحْوَالُ اللَّفْظِ العَرَبِيّ الَّتِي بِهَا يُطَابِقُ مُقتَضى الحَال،


الفن الأول علم المعاني

قَدَّمه على البيان لكونه منه بمنزلة المفرد من المركب، لأن رعاية المطابقة لمقتضى الحال وهو مرجع علم المعاني معتبرة في علم البيان مع زيادة شيء آخر، وهو إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة [وهو علم] أي ملكة يقتدر بها على إدراكات جزئية، ويجوز أن يريد به نفس الأصول والقواعد المعلومة، ولاستعمالهم المعرفة في الجزئيات قال [تعرف به أحوال اللفظ العربي] أي هو علم يستنبط منه إدراكات جزئية، وهي معرفة كل فرد فرد من جزئيات الأحوال المذكورة، بمعنى أن أيَّ فرد يوجد منها أمكننا أن نعرفه بذلك العلم، وقوله [التي بها يطابق] اللفظ [مقتضى الحال] احترازٌ عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة، مثل الاعلال والادغام والرفع والنصب وما أشبه ذلك، مما لابد منه في تأدية أصل المعنى(١) وكذا

__________________

(١) بخلاف الأحوال التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال، فإنه يؤدى بها معان ثانوية لا أصلية، ومن ذلك قوله تعالى ﴿يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ اَلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ فالتأكيد فيه للرد على المنكرين وهو معني ثانوي لا أصلي، ومنه أيضا قول الشاعر:

ثلاثةٌ تُشْرِقُ الدُّنيا ببهجتها

شمسُ الضُّحى وأبو إسحاق والْقَمَرُ

فتقديم المسند وهو ثلاثة للتشويق إلى المسند إليه وهو شمس الضحى وما عطف عليه، وهو معني ثانوي أيضا، ومما خولف به مقتضى المقام في المدح قول مروان بن أبي حفصة في المأمون:

أضحى إمَامُ الْهُدَى المأمونُ مشتغلاً

بالدِّينِ والناس بالدُّنْيَا مَشَاغِيلُ

فقال له عمارة بن عقيل: ما زدته على أن وصفته بصفة عجوز في يدها مسباحها، فهلا قلت كما قال جدي في عمر بن عبدالعزيز:

فلا هو في الدنيا مُضِيعٌ نصيبَهُ

ولا عَرَضُ الدُّنيا عن الدِّين شاغِلُه

۵۲۰۱