وَكَذَا قَوْلُ زُهيْر:

صَحاالْقَلْبُ عَنْ سَلْمَىوَأَقْصَرَبَاطِلُهْ

وَعُرِّى أَفْرَاسُ الصِّبَاوَرَوَاحِلهْ

أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ تَرَكَ مَا كَانَ يَرْتكبُهُ زَمَنَ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْجَهْلِ وَأَعْرَضَ عَنْ مُعَاوَدَتِهِ فَبَطَلَتْ آلاَتُهُ، فَشَبَّهَ الصِّبَا بِجِهَة مِنْ جِهَاتِ الْمَسِيرِ كالْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ قَضَى مِنْهَا الْوَطَرَ فَأُهْمِلَتْ آلاَتُهَا فَأَثْبَتَ لَهَا الْأَفْرَاسَ وَالرَّوَاحِلَ،


إلى المقصود كما هو شأن الكناية، فالمستعار هو لفظ السبع الْغَيْرُ الْمُصَرَّح به، والمستعار منه هو الحيوان الْمُفْتَرِسُ، والمستعار له هو الْمَنِيَّةُ، قال صاحب الْكَشَّافِ: إن من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرمزوا إليه بذكر شيء من رَوَادِفِهِ، فينبهوا بذلك الرمز على مكانه نحو ـ شجاع يفترس أقرانه ـ ففيه تنبيه على أن الشجاع أسد، هذا كلامه وهو صريح في أن المستعار هو اسم المشبه به المتروك صريحا المرموز إليه بذكر لوازمه، وسيجىء الكلام على ما ذكره السكاكى [وكذا قول زهير: صحا] أي سَلاَ مجارا(١) من الصَّحْوِ خلاف السُّكْرِ [القلب عن سلمى وأقصر باطله *] يقال ـ أقصر عن الشيء ـ إذا أقلع عنه أي تركه وامتنع عنه، أي امتنع، باطله عنه وتركه بحاله [وعرى أفراس الصبا ورواحله ـ أراد] زهير [أن يبين أنه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبة من الجهل وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته] الضمير في معاودته وآلاته لما كان يرتكبه [فشبه] زهير في نفسه [الصبا بجهة من جهات المسير كالحج والتجارة قضى منها] أي من تلك الجهة [الوطر فأهملت آلاتها] ووجه الشبه الاشتغال التَّامُّ وركوب المسالك الصعبة فيه غير مُبَال بمهلكة ولا محترز عن معركة، وهذا التشبيه المضمر في النفس استعارة بالكناية [فأثبت له] أي للصبا بعض ما يخص تلك الجهة أعنى [الأفراس والرواحل] التي بها قِوَامُ جهة المسير والسفر، فإثبات

__________________

(١) أي بالاستعارة، شبه فيه السلو بالصحو الخ.

۵۲۰۱