وَنَبَاهَةِ الشَّأْنِ، وَإلاَّ فَهُمَا إمَّا عَقْلِيَّانِ نَحْوُ ـ مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ـ فإنَّ الْمُسْتَعارَ مِنْه الرُّقَادُ وَالْمُسْتَعارُ لَهُ الْمَوْتُ وَالْجَامِعُ عَدَمُ ظُهُورِ الْفِعْلِ، وَالْجَمِيعُ عَقْلِيٌّ، وَإمَّا مُخْتَلِفَان وَالْحِسِّيُّ هُوَ الْمُسْتَعارَ مِنْهُ نَحْوُ ـ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ـ فَإنَّ المسْتَعارَ مِنْهُ كَسْرُ الزُّجَاجَةِ وَهُوَ حِسِّيٌّ، وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ التَّبْلِيغُ وَالْجَامِعُ التَّأْثِيرُ وَهُمَا عَقْلِيَّانِ، وَإمَّا عَكْسُ ذلِكَ نَحْوُ ـ إنَّا لَمَّا طَغي الْمَاءُ حَمَلْناكُمْ في الْجَارِيَةِ ـ فَإنَّ المُسْتعارَ لَهُ كَثْرةُ الْمَاءِ وَهُوَ حِسِّيٌّ، وَالمسْتَعارَ مِنْهُ التَّكَبُّرُ وَالْجَامِعَ الاسْتِعْلاءُ الْمُفْرِطُ وَهُمَا عَقْلِيَّانِ.


حسي [ونباهة الشأن] وهي عقلية [وإلا] عَطْفٌ على قوله ـ وإن كانا حسيين ـ أي وإن لم يكن الطرفان حسيين [فهما] أي الطرفان [إما عقليان نحو ـ من بعثنا من مرقدنا ـ فإن المستعار منه الرقاد] أي النوم على أن يكون المرقد مصدراً وتكون الاستعارة أصلية، أو على أنه بمعنى المكان إلا أنه اعتبر التشبيه في المصدر لأن المقصود بالنظر في اسم المكان وسائر المشتقات إنما هو في المعنى القائم بالذات لا نفس الذات، واعتبار التشبيه في المقصود الأهم أولى، وستسمع لهذا زيادة تحقيق في الاستعارة التبعية [والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والجميع عقلي] وقيل عدم ظهور الأفعال في المستعار له أعني الموت أقوى، ومن شرط الجامع أن يكون في المستعار منه أقوى، فالحق أن الجامع هو البعث(١) الذي هو في النوم أظهر وأشهر وأقوى لِكَوْنِهِ مما لا شبهة فيه لأحد، وقرينة الاستعارة هي كَوْنُ هذا الكلام كلام الموتى مع قوله (هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدقَ الْمُرْسَلُونَ) [وإما مختلفان] أي أحد الطرفين حسى والآخر عقلي [والحسى هو المستعار منه نحو ـ فاصدع بما تؤمر ـ فإن المستعار منه كسر الزجاجة وهو حسي(٢) والمستعار له التبليغ والجامع التأثير وهما

__________________

(١) المراد به التيقظ لا البعث المعروف.

(٢) أي باعتبار مُتَعَلقَهِ.

تطبيقات على أقسام الاستعارة باعتبار الثلاثة:

١ـ قوله تعالى ـ ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ في بَعْض وَنُفِخَ في الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً. ٢ـ قوله تعالى ـ ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. ٣ـ قوله تعالى ـ ﴿وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَمَا يَشْتَرُونَ.

في الأول استعير الْمَوَجَانُ للاضطراب الناشيء عن الحيرة، والجامع بينهما الحركة الشديدة والاهتزاز، والثلاثة حسية، وفي الثاني استعير الغيظ للحالة المتوهمة للنار، والجامع إرادة الانتقام، والثلاثة عقلية، وفي الثالث استعير النبذ وهو حسي للأمر المتناسى حاله وهو عقلي، والجامع عدم العناية فيهما وهو عقلي.

۵۲۰۱