وَإمَّا عَقْلِيٌّ نَحْوُ ـ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ـ فإنَّ الْمُسْتعار مِنْهُ كَشْطُ الْجِلْدِ عنْ نَحْوِ الشَّاةِ وَالْمُسْتَعَارَ لَهُ كَشْفُ الضَّوْءِ عَنْ مَكَانِ اللَّيْلِ وَهُمَا حِسِّيَّانِ، وَالْجَامِعُ ما يُعْقَلُ مِنْ تَرَتُّبِ أَمْر عَلَى آخَرَ،


مدرك بالبصر [وإما عقلي نحو ـ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ـ فإن المستعار منه] معنى السلخ وهو [كشط الجلد عن نحو الشاة والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل] وهو موضع إلقاء ظله [وهما حسيان(١) والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر] أي حصوله عَقِيبَ حصوله دائما أو غالبا، كترتب ظهور اللحم على الكشط وترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، والترتب أمر عقلي، وبيان ذلك أن الظلمة هي الأصل والنور طَار عليها يسترها بضوئه، فإذا غربت الشمس فقد سُلِخَ النهار من الليل أي كشط وأزيل كما يكشط عن الشَّيْءِ الشَّيْءُ الطارىء عليه الساتر له، فَجُعِلَ ظهور الظلمة بعد ذهاب ضوء النهار بمنزلة ظهور المسلوخ بعد سلخ إهَابِهِ عنه، وحينئذ صح قوله تعالى ﴿فَإذَاهُمْ مُظْلِمُونَ لأن الواقع عَقِيبَ إذهاب الضوء عن مكان الليل هو الاظلام، وأما على ما ذكر في المفتاح من أن المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ففيه إشكال، لأن الواقع بعده إنما هو الابصار دون الاظلام، وحاول بعضهم التوفيق بين الكلامين بحمل كلام صاحب المفتاح على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار، أو بأن المراد من الظهور التمييز، أو بأن الظهور بمعنى الزوال، كما في قول الحماسى:

وذلك عَارٌ يا ابن رَيْطَةَ ظاهر(٢)

__________________

(١) هذا باعتبار الهيئة الحاصلة عندهما، وإلا فهما معنيان مصدريان، والمعنى المصدري لا يدرك بالحس.

(٢) هو عجز بيت من الحماسة:

أَعيَّرْنَنَا ألبانَهَا ولحومَهَا

وذلك عارٌ يا ابن ريطة ظاهر

۵۲۰۱