في معنى الشجاع، فيكون مجازا واستعارة(١) كما في ـ رأيت أسدا يرمى ـ بقرينة حمله على زيد، ولا دليل لهم على أن هذا على حذف أداة التشبيه وأن التقدير زيد كأسد، واسْتِدْلاَلُهُمْ على ذلك بأنه قد أُوقِعَ الأسد على زيد ومعلوم أن الإنسان لا يكون أسدا فوجب المصير إلى التشبيه بحذف أداته قَصْداً إلى المبالغة فَاسِدٌ، لأن المصير إلى ذلك إنما يجب إذا كان أسد مستعملا في معناه الحقيقي، وأما إذا كان مجازا عن الرجل الشجاع فحمله على زيد صحيح، ويدل على ما ذكرناه أن المشبه به في مثل هذا المقام كثيرا ما يتعلق به الجار والمجرور(٢) كقوله:

أسدٌ عَلَيَّ وفي الحروب نَعَامَةٌ(٣)

أي مجتريء صائل على، وكقوله ـ والطير أغربة عليه(٤) أي باكية، وقد استوفينا

__________________

(١) وليس في ذلك جمع بين الطرفين، لأن زيدا ليس هو المشبه بالأسد، وإنما المشبه بالأسد كُلِّيُّهُ وهو الشجاع، وأصل التركيب زيد رجل شجاع كالأسد، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف، والأظهر أنه تشبيه بليغ لا استعارة.

(٢) قيل إنه يمكن أن يجعل الجار والمجرور في ذلك متعلقا بالأداة، لأنها في معنى الفعل وهو ـ أُشَبِّهُ ـ فلا يتعين به ما ذهب إليه الشارح من أنه استعارة.

(٣) هو من قول عِمْرَانَ بن حِطَّانَ من شعراء الخوارج في عصر بني أمية:

أسد على وفي الحروب نعامة

فَتْخَاءُ تنفر من صَفِيرِ الصَّافِرِ

هَلاَّ برزتَ إلى غَزَالَةَ في الْوَغَى

بل كان قلبك في جَنَاحَىْ طائر

النعامة طائر معروف، وقد تعلق به الجار والمجرور قبله لأنه بمعنى جبان، فهو مثل قوله ـ أسد على ـ والفتخاء المسترخية الضعيفة، والخطاب في قوله ـ برزت ـ لِلْحَجَّاجِ بن يوسف الثَّقَفِيِّ، وغزالة أمرأة شَبِيب الخارجيِّ.

(٤) هو بعض بيت لأبي العلاء الْمَعَرِّيِّ، وتمامه:

والطير أغْرِبَةٌ عليه بأسْرِهَا

فُتْخُ السَّرَاةِ وساكناتُ لَصَافِ

وفتخ جمع فتخاء من الْفَتَخَ وهو اللين، والسراة جبال باليمن، ولصاف جبل لتميم، وإنما نقل لفظ الأغربة إلى معنى الباكية، لأن الغراب يشبه به الباكى الحزين، ومعنى البيت أن كل الطيور في الحزن على ذلك الميت مثل الأغربة الباكية عليه.

۵۲۰۱