كما في قَوْلِهِ:

حَمَلْتُ رُدَيْنِيَّا كَأَنَّ سِنانَهُ

سَنَا لَهَب لَمْ يَتَّصِلْ بِدُخَانِ

وَأَنْ تَعْتَبرَ الْجَمِيع كما مَرَّ مِنْ تَشْبِيهِ الثُّرَيَّا، وَكُلَّمَا كانَ التَّرْكِيبُ مِنْ أُمُور أَكْثَرَ كان التّشْبِيهُ أَبْعَدَ، وَالْبَلِيغُ ما كانَ مِنْ هذَا الضَّرْبِ لِغَرَابَتِهِ، وَ لِأَنَّ نَيْلَ الشَّيْءِ بَعْدَ طَلَبِهِ أَلَذُّ، وَقَدْ يُتَصَرَّفُ في الْقَرِيبِ بِمَا يَجْعَلُهُ غَرِيباً كَقَوْلِهِ:


بعضها وعدم بعضها [كما في قوله: حملت ردينيا] يعنى رمحا منسوبا إلى رُدَيْنَةَ(١)[ كأن سنانه * سنا لهب لم يتصل بدخان(٢)] فاعتبر في اللهب الشكل واللون واللّمَعَانَ وتَرَكَ الاتصال بالدخان ونفاه [وأن تعتبر الجميع كما مر من تشبيه الثريا] بعنقود الْمُلاحِيَّةِ الْمُنَوَّرَةِ باعتبار اللون والشكل(٣) وغير ذلك [وكلما كان التركيب] خياليا كان أو عقليا [من أمور أكثر كان التشبيه أبعد] لِكَوْنِ تفاصيله أكثر [و] التشبيه [البليغ(٤) ما كان من هذا الضرب] أي من البعيد الغريب دون القريب المبتذل [لغرابته] أي لِكَوْنِ هذا الضرب غريبا غير مبتذل [ولأن نيل الشيء بعد طلبه ألذ] وموقعه في النفس ألطف، وإنما يكون البعيد الغريب بليغا حسنا إذا كان سببه لطف المعنى ودقته أو ترتيب بعض المعاني على بعض وبناء ثان على أول ورَدَّ تال إلى سابق، فيحتاج إلى نظر وتأمل [وقد يتصرف في] التشبيه [القريب] المبتذل [بما يجعله غريبا] ويخرجه عن الابتذال [كقوله:

__________________

(١) هي امرأة كانت تحسن صنعة الرماح.

(٢) البيت لامرىء القيس من قصيدته التي مطلعها:

لمن طَلَلٌ أبصرته فشجانِى

كخطّ زَبُور في عَسِيبِ يَمَانِى

(٣) أنظر ص ٣٠٢ من هذا الجزء.

(٤) يعني الذي يتخاطب به أذكياء البلغاء، فهو خلاف التشبيه البليغ المشهور، لأنه ما كان محذوف الأداة كما سبق.

۵۲۰۱