وَهُوَ مُخْتَلِفٌ فإنَّ مَقاماتِ الْكَلاَمِ مُتَفاوِتَةٌ، فَمَقامُ كُل مِنَ التَّنْكِيرِ وَالإطْلاَق وَالتَّقْدِيم وَالذّكْرِ يُبايِنُ مَقامَ خِلاَفِهِ،


يقتضيه الحال، فإن الانكار مثلا يقتضى كلاما مؤكدا، وهذا مطابق له بمعني أنه صادق عليه، على عكس ما يقال: إن الكلي مطابق للجزئيات(١) وإن أردت تحقيق هذا الكلام فارجع إلى ما ذكرنا في الشرح في تعريف علم المعاني.

[وهو] أي مقتضى الحال [مختلف فإن مقامات الكلام متفاوتة] لأن الاعتبار اللائق بهذا المقام يغاير الاعتبار اللائق بذلك، وهذا عين تفاوت مقتضيات الأحوال، لأن التغاير بين الحال والمقام إنما هو بحسب الاعتبار، وهو أنه يتوهم في الحال كونه زمانا لورود الكلام فيه، وفي المقام كونه محَلاًّ له، وفي هذا الكلام إشارةٌ إجمالية إلى ضبط مقتضيات الأحوال، وتحقيقٌ لمقتضى الحال [فمقام كل من التنكير والإطلاق والتقديم والذكر يباين مقام خلافه] أي مقام خلاف كل منها، يعنى أن المقام الذي

__________________

(١) فمقتضى الحال على هذا التحقيق هو الكلام المؤكد لا التأكيد ونحوه من الخصوصيات، وهذا يخالف ما ذكره قبله، وليكن مقتضى الحال هذا أو ذاك، فإن الخطب فيه سهل.

تطبيقات على البلاغة في الكلام:

١ـ وقد جعل الله الخلافَةَ منهمْ

 لِأَبْلَجَ لا عارِى الْخِوَانِ وَلا جَدْبِ

٢ـ لَهُ راحةٌ لو أنَّ مِعْشارَ جُودها

على الْبَرِّ كان البرُّ انْدَى من البخْرِ

٣ـ أَمَرُّ من الْمُرِّ المَرِيرِ مَرَارَةً

هَوَانُ هُمَام هَانَ في عينه الْهَمُّ

فالأول غير بليغ لأنه لا يصح أن يقال في مدح ملك، فلم يطابق مقتضى الحال فيه، والثاني بليغ لأنه هو الذي يليق بمدح الملوك، والثالث غير بليغ لعدم فصاحته بسبب تنافره.

أمثلة أخرى: قال قاض لرجل خاصمته امرأته: أئن سألتْكَ ثَمَنَ شكْرِها وشَبْرِك أخذت تُطِلُّها وتُضْهِلُهَا ـ وقال حافظ بك إبراهيم:

مَنْ لي بتربية النِّساءِ فإنها

في الشَّرْقِ عِلَّةُ ذلك الأخفاقِ

الأمُّ مدرسةٌ إذ اعْدَدْتَهَا

أَعْدَدْتَ شَعباً طيِّبَ الاعْرَاق

۵۲۰۱