بالْأَنْوارِ مُؤْتِلِقَةً بَيْنَ النَّباتِ الشّدِيدِ الْخُضْرَةِ، فَعُلِمَ فَسادُ جَعْلِهِ فِي قَوْلِ الْقائِلِ ـ النَّحْوُ فِي الْكَلاَمِ كالْمِلْح فِي الطَّعَامِ ـ كَوْنَ الْقَلِيلِ مُصْلِحاً وَالْكَثِيرِ مُفْسِداً، لِأَنَّ النَّحْوَ لاَ يَحْتَمِلُ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ بِخِلاَفِ الْمِلْحِ.

وَهُوَ إمَّا غَيْرُ خَارِج عَنْ حَقِيقَتِهما، كما فِي تَشْبِيهِ ثَوْب بِآخِرَ فِي نَوْعِهِمَا أوْ جِنْسِهِمَا أَوْ


بالأنوار] أي الأزهار [مؤتلقة] بالقاف أي لامعة [بين النبات الشديد الخضرة] حتي يضرب إلى السواد، فبهذا التأويل أعنى تخييل ما ليس بِمُتَلَوِّن متلوناً ظهر اشتراك النجوم بين الدجى والسنن بين الابتداع في كوْنِ كُلٍّ منهما شيئا ذا بياض بين شيء ذى سواد، ولا يخفى أن قوله ـ لاح بينهن ابتداع ـ من باب القلب، أي سنن لاحت بين الابتداع [فعلم] من وجوب اشتراك الطرفين في وجه التشبيه [فساد جعله] أي وجه الشبه [في قول القائل ـ النحو في الكلام كالملح في الطعام ـ كون القليل مصلحا والكثير مفسدا] لأن المشبه أعنى النحو لا يشترك في هذا المعنى [لأن النحو لا يحتمل القلة والكثرة] إذ لا يخفى أن المراد به ههنا رعاية قواعده واستعمال أحكامه، مثل رفع الفاعل ونصب المفعول، وهذه إن وجدت في الكلام بكمالها صار صالحا لفهم المراد، وإن لم توجد بقى فاسدا ولم ينتفع به [بخلاف الملح] فإنه يحتمل القلة والكثرة، بأن يجعل في الطعام القدر الصالح منه(١) أوْ أقَلُّ أوْ أكْثَرُ، بل وجه الشبه هو الصلاح بأعمالهما والفساد باهمالهما.

[وهو] أي وجه الشبه [إما غير خارج عن حقيقتهما] أي حقيقة الطرفين، بأن يكون تمام مَاهِيَّتِهِمَا أو جزءاً منهما(٢) ]كما في تشبيه ثوب بآخر في نوعهما أو جنسهما أو

__________________

(١) و هو القليل الذى ذكر فيما سبق انه مصلح.

(٢) تمام ماهيتهما هو النوع، وجزؤها هو الجنس والفصل.

۵۲۰۱