وَإمّا في الانْتِقالِ كَقَوْلِ الآخَرِ:

سَأَطْلُب بُعْدَ الدَّارِ عَنكمْ لِتَقْرُبُوا

وَتَسْكُبُ عَيْنايَ الدُّمُوعَ لِتَجْمُدَا

فإنَّ الانتِقالَ مِنْ جُمُودِ العَيْنِ إلى بُخْلِها بالدُّمُوعِ لاَ إلَى مَا قَصَدَهُ مِنْ السُّرُورِ.


قيل ذكر ضعف التأليف يعنى عن ذكر التعقيد اللفظى، وفيه نظر لجواز أن يحصل التعقيد باجتماع عدة أمور موجبة لصعوبة فهم المراد، وإن كان كل واحد منها جاريا على قانون النحو، وبهذا يظهر فساد ما قيل إنه لا حاجة في بيان التعقيد في البيت إلى ذكر تقديم المستثنى على المستثنى منه، بل لا وجه له لأن ذلك جائز باتفاق النحاة، إذ لا يخفى أنه يوجب زيادة التعقيد وهو مما يقبل الشدة والضعف.

[وإما في الانتقال] عطف على قوله ـ إما في النظم ـ أي لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد لخلل واقع في انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم بحسب اللغة إلى المعنى الثاني المقصود، وذلك بسبب إيراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة مع خفاء القرائن الدالة على المقصود [كقول الآخر] وهو عباس بن الأحنف، ولم يقل كقوله لئلا يتوهم عود الضمير إلى الفرزدق [* سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا * وتسكب] بالرفع وهو الصحيح، وبالنصب وَهَمٌ [عيناى الدموع لتجمدا ]جعل سكب الدموع كناية عما يلزم فراق الأحبة من الكآبة والحزن، وأصاب لكنه أخطأ في جعل جمود العين كناية عما يوجبه دوام التلاقى من الفرح والسرور [فإن الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع] حال إرادة البكاء وهي حالة الحزن [لا إلى ما قصده من السرور ]الحاصل بالملاقاة(١) ومعنى البيت ـ إني اليوم أطيبُ نفسا بالبعد

__________________

والمجرور، وجعل قوله ـ أبو أمه حي ـ مبتدءا وخبرا، وقوله ـ أبوه ـ خبرا ثانيا، والجملة صفة لقوله، ـ مملكا ـ وجعل قوله يقاربه ـ صفة ثانية.

(١) ولكنه انتقل إلى هذا بوسائط كثيرة، فانتقل من جمود العين إلى انتفاء الدمع منها حال إرادة البكاء، ثم انتقل من هذا إلى انتفاء الدمع مطلقاً، ثم انتقل من هذا إلى انتفاء الحزن، ثم انتقل من هذا إلى إفادة السرور:

۵۲۰۱