فَلاِنَّ لَمَّا لِلاسْتِغْرَاقِ، وَغَيْرُهَا لانْتِفاء مُتَقَدِّم مَعَ أنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُهُ، فَتَحْصُلُ بِهِ الدَّلاَلَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِطْلاَقِ، بِخِلاَفِ المُثْبَتِ، فَإنَّ وَضْعَ الْفِعْلِ عَلَى إفَادَةِ التَّجَدُّدِ، وَتَحْقِيقُهُ أنَّ اسْتِمْرَارَ الْعَدَمِ لاَ يَفْتَقِرُ إلَى سَبَبِ، بِخِلاَفِ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ، وَأمَّا الثَّانِي فَلِكَوْنِهِ مَنْفِيّاً.


أي دلالته على المقارنة [فلأن ـ لما ـ للاستغراق] أي لامتداد النفي من حين الانتفاء إلى زمان التكلم [وغيرها] أي غير ـ لمامثل ـ لم وما [لانتفاء متقدم] على زمان التكلم [مع أن الأصل استمراره] أي استمرار ذلك الانتفاء لما سيجىء حتى تظهر قرينة على الانقطاع، كما في قولنا ـ لم يضرب زيد أمس لكنه ضرب اليوم [فيحصل به] أي باستمرار النفي، أو بأن الأصل فيه الاستمرار [الدلالة عليها] أي على المقارنة [عند الاطلاق] وترك التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء [بخلاف المثبت، فإن وضع الفعل على إفادة التجدد] من غير أن يكون الأصل استمراره، فإذا قلت ـ ضرب ـ مثلا كفى في صدقه وقوع الضرب في جزء من أجزاء الزمان الماضى، وإذا قلت ـ ما ضرب ـ أفاد استغراق النفي لجميع أجزاء الزمان الماضى، لكِنْ لاَ قَطْعِيّاً(١) بخلاف لما، وذلك لأنهم قصدوا أن يكون الاثبات والنفي في طَرَفَىْ نَقِيضِ، ولا يخفى أن الاثبات في الجملة إنما ينافيه النفي دائما [وتحقيقه] أي تحقيق هذا الكلام [أن استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب بخلاف استمرار الوجود] يعنى أن بقاء الحادث وهو استمرار وجوده يحتاج إلى سبب موجود، لأنه وُجُودٌ عَقِيبَ وُجُود، ولابد للوجود الحادث من السبب، بخلاف استمرار الْعَدَمِ فإنه عَدَمٌ، فلا يحتاج إلى وجود سبب، بل يكفيه مجرد انتفاء سبب الوجود، والأصل في الحوادث العدم حتى توجد عِلَلُهَا، ففي الجملة لما كان الأصل في المنفي الاستمرار حصل من إطلاقه الدلالة على المقارنة [وأما الثاني] أي عدم دلالته على الحصول [فلكونه منفيا].

__________________

(١) أي ليس من أصل الوضع.

۵۲۰۱