فَإنَّهُ يُنَزِّلُهما مَنْزِلةَ التَّضَايُفِ، وَلِذلِكَ تَجِدُ الضِّدَّ أقْرَبَ خُطُوراً بِالْبالِ مَعَ الضِّدِّ، أَوْ خَيالِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ تَصَوُّرَيْهِمَا تَقَارُنٌ فِي الخَيالِ سَابِقٌ، وَأسْبابُهُ مُخْتَلِفَةٌ، وَلِذلِكَ اخْتَلَفَتِ الصُّوَرُ الثَّابِتَةُ فِي الخيالِ تَرَتُّباً وَوُضُوحاً، ولِصاحِبِ عِلْمِ الْمَعَانِى فَضْلُ احْتِياج إلَي مَعْرِفةِ الجامِعِ


يعم المحسوسات والمعقولات، فإن الأول هو الذي يكون سابقا على الغير ولا يكون مسبوقا بالغير، والثاني هو الذي يكون مسبوقا بواحد فقط، فأشبها المتضادين باعتبار اشتمالهما على وصفين لا يمكن اجتماعهما، ولم يجعلا متضادين كالأسود والأبيض، لأنه قد يشترط في المتضادين أن يكون بينهما غاية الخلاف، ولا يخفى أن مخالفة الثالث والرابع وغيرهما للأول أكثر من مخالفة الثاني له، مع أن العدم معتبر في مفهوم الأول(١) فلا يكون وجوديا [فإنه] أي إنما يجعل التضاد وشبهه جامعا وهميا لأن الوهم [ينزلهما منزلة التضايف] في أنه لا يحضره أحد المتضادين أو الشبيهين بهما إلا ويحضر الآخر [ولذلك تجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد] من الْمُغَايِرَاتِ الغير الْمُتَضَادَّةِ، يعني أن ذلك مبني على حكم الوهم، وإلا فالعقل يتعقل كلا منهما ذاهلا عن الآخر [أو خيالي] وهو أمر بسببه يقتضى الخيال اجتماعهما في المفكرة، وذلك [بأن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال سابق] على العطف لأسباب مؤدية إلى ذلك [وأسبابه] أي وأسباب التقارن في الخيال [مختلفة، ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيال ترتبا ووضوحا] فَكَمْ مِنْ صُوَر لا انفكاك(٢) بينها في خيال، وهي في خيال آخر مما لا تجتمع أصلا، وكم من صور لا تغيب عن خيال، وهي في خيال آخر مما لا يقع قط.

[ولصاحب علم المعاني فضل احتياج إلى معرفة الجامع] لأن مُعْظَمَ أبوابه الفصل

__________________

(١) وذلك في جزئه الثاني (ولا يكون مسبوقا بالغير).

(٢) هذا معنى الاختلاف في الترتب، وما بعده معنى الاختلاف في الوضوح.

۵۲۰۱