وَأُخْرَى بِمَعْنى مِنْ أَيْنَ نَحْوُ ـ أَنَّى لَكِ هذَا.

ثُمَّ هذِهِ الْكَلِمَاتُ كَثِيراً ما تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الاسْتِفْهامِ، كالاِستِبْطَاءِ، نَحْوُ ـ كَمْ دَعَوْتُكَ ـ وَالتَّعَجُّبِ، نَحْوُ ـ مَالِيَ لاَ أَرَى الهُدْهُدَ ـ وَالتّنبيهِ عَلَى الضّلاَلِ، نَحْوُ ـ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ـ


[وأخرى بمعنى من أين، نحو ـ أنى لك هذا] أي من أين لك هذا الرزق الآتى كل يوم، وقوله ـ تستعمل إشارة إلى أنه يحتمل أن يكون مشتركا بين المعنيين وأن يكون في أحدهما حقيقة وفي الآخر مجازا، ويحتمل أن يكون معناه ـ أين ـ إلا أنه في الاستعمال يكون مع مِنْ ظَاهِرَةً كما في قوله:

«مِنْ أين عشرون لنا من أنَّي(١)»

أو مُقَدَّرَةً كما في قوله تعالى ﴿أنَّي لَكِ هذَا أي من أني لك، أي من أين على ماذكره بعض النحاة.

[ثم إن هذه الكلمات] الاستفهامية [كثيرا ما تستعمل في غير الاستفهام] مما يناسب المقام بحسب معونة القرائن [كالاستبطاء نحو ـ كم دعوتك ـ والتعجب نحو ـ مالى لا أرى الهدهد] لأنه كان لا يغيب عن سليمان عليه‌السلام إلا بإذنه، فلما لم يبصره مكانه تعجب من حال نفسه في عدم إبصاره إياه، ولا يخفى أنه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه، وقول صاحب الكشاف: نظر سليمان إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال مالى لا أراه، على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك، وأخذ يقول أهو غائب، كأنه يسأل عن صحة ما لاح له ـ يدل على أن الاستفهام على حقيقته [والتنبيه على الضلال، نحو ـ فأين تذهبون ـ والوعيد، كقولك

__________________

(١) هو لمُدْرِكِ بن حُصَيْن من قوله:

لأجعلنْ لابنة عُثْم فَنَّا

من أين عشرون لنا من أنَّي

وعثم هو عثمان، وفنا ضربا من الخصومة، والمراد عشرون من الابل، وقد قال هذا في هجاء عامل زكاة.

۵۲۰۱