وَلِقَوْلِ النُّحَاةِ إنَّمَا لاِثْبَاتِ ما يُذْكَرُ بَعْدَهُ وَنَفْيِ ما سِوَاهُ، ولِصِحَّةِ انْفِصَالِ الضَّمِيرِ مَعْهُ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

أَنا الذَّائِدُ الْحَامِي الذِّمَارَ وَإنَّمَا

يُدَافِعَ عَنْ أَحْسابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلى


لها لافادتها القصر، فمراد السكاكى والمصنف بقراءة النصب والرفع هو القراءة الأولى والثانية، ولهذا لم يتعرضا للاختلاف في لفظ ـ حرم ـ بل في لفظ ـ الميتة ـ رفعا ونصبا، وأما على القراءة الثالثة، أعنى رَفْع الميتة وحُرِّمَ مبنيا للمفعول فيحتمل أن تكون ما كَافَّةً ـ أي ما حُرِّمَ عليكم إلا الميتة، وأن تكون موصولة، أي إن الذي حُرِّمَ عليكم هو الميتة، ويُرَجَّحُ هذا ببقاء إنَّ عاملة على ما هو أصلها، وبعضهم توهم أن مراد السكاكى والمصنف بقراءة الرفع هذه القراءة الثالثة فطالبهما بالسبب في اختيار كونها موصولة، مع ان الزجاج اختار أنها كَافَّةٌ [ولقول النحاة(١) إنما لاثبات ما يذكر بعده ونفي ما سواه] أي سوي ما يذكر بعده، أما في قصر الموصوف نحو ـ إنما زيد قائم ـ فهو لاثبات قيام زيد ونفي ما سواه من القعود ونحوه، وأما في قصر الصفة نحو ـ إنما يقوم زيد ـ فهو لاثبات قيامه ونفي ما سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما [ولصحة انفصال الضمير معه] أي مع إنما، نحو ـ إنما يقوم أنا ـ فإن الانفصال إنما يجوز عند تعذر الاتصال، ولا تعذر ههنا إلا بأن يكون المعنى ما يقوم إلا أنا، فيقع بين الضمير وعامله فَصْلٌ لغرض(٢) ثم استشهد على صحة هذا الانفصال ببيت من يُسْتَشْهَدُ بشعره، ولهذا صرح باسمه فقال [قال الفرزدق: أنا الذائد] من الذَّوْدِ وهو الطرد [الحامى الذمار] أي العهد، وفي الأساس ـ هو الحامى الذمار ـ إذا حَمَى مالو لم يَحْمِهِ لِيمَ وَعُنِّفَ مِنْ حِمَاهُ وَحَرِيمِهِ [وإنما * يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى] لما كان غرضه أن يخص

__________________

(١) إنما صح الاحتجاج بقولهم في هذا لاستنباطهم له من كلام العرب.

(٢) هو إفادة القصر.

۵۲۰۱