وَإمَّا لِدَفْعِ تَوَهُمِّ إرَادَةِ غَيْرِ المُرَادِ ابْتِدَاءً كَقَوْلِهِ:

وَكَمْ ذُدْتَ عَنّى مِنْ تَحَامُلِ حَادِث

وَسَوْرَة أَيَّام حَزَزْنَ إِلَى الْعَظْمِ

إذْ لَوْ ذَكَرَ اللَّحْمْ لَرُبّما تُوُهِّمِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا بَعْدَهُ أنّ الحَزَّ لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْعَظْمِ.

وَإمَّا لِأَنَّهُ أُرِيدَ ذِكْرُهُ ثَانِياً عَلَى وَجْه يَتَضَمَّنُ إيقاعَ الْفِعْلِ عَلَى صَرِيحِ لَفْظِهِ إظْهاراً لِكَمالِ الْعِنايَةِ بِوُقُوعهِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ:

قَدْ طَلَبْنا فلَمْ نَجِدْ لَكَ في السُّو

دَدِ وَالمَجْدِ وَالمَكَارِمِ مِثْلاَ


[وإما لدفع توهم إرادة غير المراد] عَطْفٌ على ـ إما للبيان [ابتداء] مُتَعَلِّقٌ بتوهم [كقوله: وكم ذدت] أي دفعت [عنى من تحامل حادث] يقال ـ تَحَامَلَ فلانٌ عليَّ ـ إذا لم يعدل، وكم خبرية مميزها قوله ـ من تحامل قالوا وإذا فصل بين كم الخبرية ومميزها بفعل متعد وجب الاتيان بمن لئلا يلتبس بالمفعول، ومَحَلُّ كم النَّصْبُ على أنها مفعول ـ ذدت ـ وقيل المميز محذوف ـ أي كم مرة ـ ومن في من تحامل زائدة، وفيه نظر للاستغناء عن هذا الحذف والزيادة بما ذكرناه [وسورة أيام] أي شدتها وصولتها [حززن] أي قطعن اللحم [إلى العظم(١)] فحذف المفعول، أعنى اللحم [إذ لو ذكر اللحم لربما توهم قبل ذكر ما بعده] أي ما بعد اللحم، يعنى إلى العظم ]أن الحز لم ينته إلى العظم[ وإنما كان في بعض اللحم، فحذف دفعا لهذا التوهم [وإما لأنه أريد ذكره] أي ذكر المفعول [ثانيا على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه] لا على الضمير العائد إليه [إظهارا لكمال العناية بوقوعه] أي الفعل [عليه] أي على المفعول، حتى كأنه لا يرضى أن يوقعه على ضميره وإن كان كناية عنه [كقوله:

قد طلبنا فلم نجد لك في السو

دد والمجد والمكارم مثلا](٢)

__________________

(١) البيت للبحترى في مدح أبي الصقر من قصيدة مطلعها:

أعن سَفَه يوم الأُبيْرِقِ أم حلمِ

وقوفٌ بربع أو بكاءٌ على رسم

(٢) هو للبحترى في مدح المعتز من قصيدة مطلعها:

۵۲۰۱