فَلَيسَ مِنْهُ لِأَنَّ المُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْبُكاءُ الحَقِيقيُّ.


فليس منه] أي مما ترك فيه حذف مفعول المشيئة بناء على غرابة تعلقها به(١) على ما ذهب إليه صدر الأفاضل في ضِرَامِ السِّقْط، من أن المراد ـ لو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا ـ فلم يحذف منه مفعول المشيئة ولم يقل ـ لو شئت بكيت تفكرا ـ لأن تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب كتعلقها ببكاء الدم، وإنما لم يكن من هذا الْقَبِيلِ [لأن المراد بالأول البكاء الحقيقي] لا البكاء التفكري، لأنه أراد أن يقول: أفنانى النُّحول فلم يبق منى غير خواطر تجول فِيَّ، حتى لو شئت البكاء فَمَريْتُ جفوني وعصرت عينى ليسيل منها دمع لم أجده وخرج منها بدل الدمع التفكر، فالبكاء الذي أراد إيقاع المشيئة عليه بكاء مطلق مبهم غير مُعَدًّى إلى التفكر الْبَتَّةَ، والبكاء الثاني مُقَيَّدٌ مُعَدًّى إلى التفكر، فلا يصلح أن يكون تفسيراً للأول وبيانا له(٢) كما إذا قلت ـ لو شئتَ أن تُعْطِيَ درهما أعطيتَ درهمين ـ كذا في دلائل الإعجاز، ومما نشأ في هذا المقام من سوء الفهم وقلة التدبر ما قيل إن الكلام في مفعول ـ أبكى ـ والمراد أن البيت ليس من قَبِيلِ ما حذف فيه المفعول للبيان بعد الابهام، بل إنما حذف لغرض آخر، وقيل(٣) يحتمل أن يكون المعنى ـ لو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا ـ أي لم يبق فِيَّ مادة الدمع، فصرت بحيث أقدر على بكاء التفكر، فيكون من قبيل ما ذكر فيه مفعول المشيئة لغرابته، وفيه نظر لأن ترتب هذا الكلام على قوله ـ لم يبق منى الشوق غير تفكرى ـ يأبى هذا المعنى عند التأمل الصادق، لأن القدرة على بكاء التفكر لاتتوقف على ألا يبقى فيه غير التفكر، فافهم.

__________________

(١) بل ليس من الحذف مطلقا، لأن المفعول فيه مذكور وهو أن أبكى.

(٢) ولهذا ذكر مفعول المشيئة هنا مع عدم غرابته.

(٣) هذا هو قول صدر الأفاضل، وإنما أعاده ليبين وجه فساده.

۵۲۰۱