ثُمَّ الْحَذْفُ إمَّا لِلْبَيانِ بَعْدَ الابْهامِ كما فِي فِعْلِ المَشِيئَةِ ما لَمْ يَكُنْ تَعَلُّقُهُ بِهِ غَرِيباً نَحْوُ ـ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ـ بِخِلافِ نَحْوِ:

وَلَوْ شِئْتُ أنْ أبْكِى دَماً لَبَكَيْتُهُ

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

وَلَمْ يُبْقِ منّى الشَّوْقُ غَيْرَ تَفَكُّرِى

فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِى بَكَيْتُ تَفَكُّراً


ولما وجب تقدير المفعول تعين أنه مراد في المعنى ومحذوف من اللفظ لغرض، فأشار إلى تفصيل الغرض بقوله [ثم الحذف إما للبيان بعد الابهام كما في فعل المشيئة] والارادة ونحوهما إذا وقع شرطا(١) فإن الجواب يدل عليه ويبينه، لكنه إنما يحذف [ما لم يكن تعلقه به] أي تعلق فعل المشيئة بالمفعول [غريبا نحو ـ فلو شاء لهداكم أجمعين] أي لو شاء الله هدايتكم لهداكم أجمعين، فإنه لما قيل ـ لو شاء ـ علم السامع أن هناك شيئا علقت المشيئة عليه لكنه مبهم عنده، فإذا جىء بجواب الشرط صار مبينا له، وهذا أوقع في النفس [بخلاف] ما إذا كان تعلق فعل المشيئة به غريبا، فإنه لا يحذف حينئذ، كما في [نحو] قوله:

[ولو شئت أن أبكى دما لبكيته]

عليه ولكن ساحة الصبر أوسع(٢)

فإن تعلق فعل المشيئة ببكاء الدم غريب، فذكره ليتقرر في نفس السامع ويأنس به [وأما قوله:

ولم يبق منى الشوق غير تفكري

فلو شئت أن أبكى بكيت تفكرا(٣)

__________________

(١) مثل الشرط غيره، نحو ـ بمشيئة الله تهتدون ـ أي بمشيئته هدايتكم تهتدون.

(٢) هو لإسحاق بن حسان الخزيمي من شعراء الدولة العباسية، والمراد أن ساحة الصبر أوسع من ساحة البكاء.

(٣) هو لأبي الحسن علي بن أحمد الجوهري من شعراء الدولة العباسية.

۵۲۰۱