ـ وَإلَى الْغَيْبَةِ ﴿إنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحرْوَمِنَ الْخِطابِ إلَى التكَلمِ:

طَحَابِكَ قَلْبٌ فِي الْحِسانِ طَرُوبُ

بُعيْدَ الشبابِ عَصْرَ حانَ مَشيبُ

يُكلُّفنى لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ وَلْيُها

وَعادَتْ عَوَاد بَيْنَنا وَخُطوبُ


والتحقيق أن المراد مالكم لا تعبدون، لكن لَمَّا عُبِّر عنهم بطريق التكلم كان مقتضى ظاهر السَّوْقِ إجراءَ باقى الكلام على ذلك الطريق، فعدل عنه إلى طريق الخطاب، فيكون التفاتا على المذهبين [و] مثال الالتفات من التكلم [إلى الغيبة ـ إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر] ومقتضى الظاهر ـ لنا [و] مثال الالتفات [من الخطاب إلى التكلم] قول الشاعر(١) [طحا] أي ذهب [بك قلب في الحسان طروب] ومعنى طروب في الحسان أن له طربا في طلب الحسان ونشاطا في مراودتها [بعيد الشباب] تصغير ـ بَعْد ـ للقرب، أي حينَ وَّلى الشباب وكاد ينصرم [عصر] ظرف زمان مضاف إلى الجملة الفعلية، أعني قوله [حان] أي قَرُبَ [مشيب * يكلفنى ليلى] فيه التفات من الخطاب في ـ بك ـ إلى التكلم، ومقتضى الظاهر ـ يكلفك ـ وفاعل ـ يكلفنى ـ ضمير القلب، و ـ ليلى ـ مفعوله الثانى، والمعنى ـ يطالبنى القلب بوصل ليلى، وروى ـ تكلفنى ـ بالتاء الفوقانية، على أنه مسند إلى ـ ليلى ـ والمفعول محذوف أي شدائد فراقها، أو على أنه خطاب للقلب، فيكون التفاتا آخر من الغيبة إلى الخطاب [وقد شط] أي بَعُدَ [وليها] أي قربها [وعادت عواد بيننا وخطوب] قال المرزوقى: عادت يجوز أن يكون فَاَعَلْت من(٢)الْمُعَادَاةِ، كأن الصوارف والخطوب صارت تعاديه، ويجوز أن يكون مِن عَادَ يَعُودُ ـ أي عادت عَوَاد، وعوائق كانت تحول بيننا إلى ما

__________________

(١) هو علقمة بن عبدة الفحل من الشعراء الجاهليين.

(٢) لأن أصل عَادَتْ عَادَوَتْ، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين فصارت عَادَتْ على وزن فَاعَتْ بحذف لام الكلمة.

۵۲۰۱