الثلاثَةِ بَعْدَ التعْبيرِ عَنهُ بِآخَرَ منْها، وَهَذا أَخَص، مثالُ الالْتِفاتِ مِنَ التَّكَلمِ إلى الخِطَابِ ـ وَمالِيَ لاَ أَعْبُدُ الذِي فَطَرَني وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ


الطرق [الثلاثة] التكلم والخطاب والغيبة [بعد التعبير عنه] أي عن ذلك المعنى [بآخر منها] أي بطريق آخر من الطرق الثلاثة، بشرط أن يكون التعبير الثاني على خلاف ما يقتضيه الظاهر ويترقبه السامع، ولابد من هذا القيد ليخرج مثل قولنا ـ أنَا زَيْدٌ وأنْتَ عَمْرٌو، ونحن اللَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا(١) وقوله تعالى ـ﴿وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ، و ـ اهْدِنَا ـ و ـ أَنْعَمْتَ ـ فإن الالتفات إنما هو في ـ إيَّاكَ نَعْبُدُ ـ والباقى جَار على أسلوبه، ومن زعم أنَّ في مثل ـ يَأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ـ التفاتا والقياس آمنتم فقد سها، على ما يشهد به كتب النحو(٢) [وهذا] أي الالتفات بتفسير الجمهور [أخص منه] بتفسير السكاكى، لأن النقل عنده أعم من أن يكونَ قد عُبِّرَ عنه بطريق من الطرق ثم بطريق آخر، أو يكونَ مقتضى الظاهر أن يعبر عنه بطريق منها فترك وعدل إلى طريق آخر، فيتحقق الالتفات بتعبير واحد، وعند الجمهور مخصوص بالأول، حتى لا يتحقق الالتفات بتعبير واحد، فكلُّ التفات عندهم التفاتٌ عنده من غير عكس، كما في ـ تَطَاوَلَ لَيْلُكَ [مثال الالتفات من التكلم إلى الخطاب ـ ومالى لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون] ومقتضى الظاهر ـ أَرْجِعُ ـ

__________________

(١) هو من قول رجل جاهلى من بني عقيل:

نحن اللذون صبحوا الصباحا

يوم النُّخَيْلِ غارةً مِلْحَاحَا

والصباحا ظرف زمان متعلق بقوله ـ صبحوا ـ وألفه للإطلاق، والنخيل موضع بالشام، وملحاحا صيغة مبالغة من الالحاح، والشاهد في إنتقاله من ضمير المتكلم وهو ـ نحن ـ إلى الغيبة وهو ـ اللذون ـ وهو جار على ما يقتضيه الظاهر.

(٢) من أن عائد الموصول قياسه أن يكون بلفظ الغيبة، لأن الموصول اسم ظاهر، فهو من قبيل الغيبة وإن عرض له الخطاب بالنداء، وحينئذ يكون ـ آمنوا ـ جاريا على مقتضى الظاهر.

۵۲۰۱