وَلاِنّهُ يَنْتَقِضُ بِنَحْوِ ـ نَهارُهُ صَائِمٌ ـ لاشْتِمالهِ عَلَى ذِكْرِ طَرَفَيِ التّشْبِيهِ.


أن يُذْكَر المشبه ويراد المشبه به حقيقة، وليس كذلك، بل مذهبه أن يراد المشبه به ادِّعَاءً ومُبَالَغَةً، لظهور أن ليس المراد بالمنية في قولنا ـ مَخَالِبُ الْمِنَيَّةِ نَشَبْتَ بِفُلاَن ـ هو السبع حقيقة، والسكاكى مصرح بذلك في كتابه، والمصنف لم يطلع عليه [ولأنه] أي ما ذهب إليه السكاكى [ينتقض بنحو نهاره صائم] ولَيْلُهُ قائِمٌ، وما أشبه ذلك مما يشتمل على ذكر الفاعل الحقيقي [لاشتماله على ذكر طرفى التشبيه] وهو مانع من حمل الكلام على الاستعارة كما صرح به السكاكى، والجواب أنه إنما يكون مانعا إذا كان ذكرهما على وجه ينبىء عن التشبيه، بدليل أنه جعل قوله:

لا تعجبوا من بِلَى غِلاَلَتِهِ

قد زَرَّ أَزْرَارَهُ على الْقَمَرِ(١)

من باب الاستعارة مع ذكر الطرفين، وبعضهم لَمَّا لم يَقِفْ على مراد السكاكى بالاستعارة بالكناية أجاب عن هذه الاعتراضات بما هو بريء عنه، ورأينا تركه أولى.

__________________

(١) هو لمحمد بن طباطبا العلوي من شعراء الدولة العباسية، وسيأتي في فصل الحقيقة والمجاز من علم البيان.

تطبيقات على المجاز العقلي:

١ـ إن الْبَلِيَّةَ من تَمَلُّ كلامَهُ

فَانْقَعْ فؤادَك من حديث الوامِقِ

٢ـ مَلَكْنَا فكان الْعَفْوُ مناسَجِيَّةً

فلمَّا ملكتم سال بالدَّم أبْطَحُ

٣ـ نِعْمَ المعينُ على المرُوءَةِ لِلْفَتَى

مَالٌ يصون عن التَّبَذُّلِ نفسَهُ

ففي الأول إسناد ـ الوامق ـ إلى المفعول، وهو مجاز عقلى علاقته المفعولية، لأن المراد ـ انقع فؤادك من حديث الموموق، وفي الثاني إسناد ـ سَالَ ـ إلي ـ أَبْطَح ـ وهو مجاز عقلي علاقته المكانية، وفي الثالث إسناد الاعانة والصيانة إلى المال، وهو مجاز عقلي علاقته السببية.

أمثلة أخرى:

١ـ قوله تعالى ـ ﴿إنَّهُ كَانَ وَعْدُهَ مَأْتِيّاً:

٢ـ بَنَاتِ الشعر بالنَّفَحَاتِ جُودِي

فهذا يومُ شاعركِ الْمجِيدِ

٣ـ الدَّهْرُ يفترس الرجالَ فلا تكن

ممن تُطِيشُهُمُ المناصبُ والرُّتَبْ

۵۲۰۱