فَصْلٌ الْخِطَابِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ـ هذَا وَإنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآب ـ أَيْ الْأَمْرُ هذَا أَوْ هذَا كَمَا ذُكِرَ، وَقَوْلِهِ ـ هذَا ذِكْرٌ وَإنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآب ـ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكَاتِبِ ـ


ـ أما بعد ـ هو [فصل الخطاب] قال ابن الأثِيرِ: والذي أجمع عليه المحققون من علماء البيان أن فصل الخطاب هو ـ أما بعد ـ لأن المتكلم يفتتح كلامه في كل أمر ذي شأن بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج منه إلى الغرض الْمَسُوقِ له فَصَلَ بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله ـ أما بعد ـ وقيل فصل الخطاب معناه الفاصل من الخطاب أي الذي يفصل بين الحق والباطل على أن المصدر بمعنى الفاعل، وقيل المفصول من الخطاب وهو الذي يَتَسيَّنَهُ من يُخَاطَبُ به أي يعلمه بَيِّناً لا يلتبس عليه، فهو بمعنى المفعول [وكقوله تعالى] عَطْفٌ على قوله ـ كقولك بعد حمد الله ـ يعنى من الاقتضاب القريب من التخلص ما يكون بلفظ ـ هذا ـ كما في قوله تعالى بعد ذكر أهل الجنة [هذا وإن للطاغين لشر مآب] فهو اقتضاب فيه نوع مناسبة وارتباط، لأن الواو للحال(١) ولفظ هذا إما خبر مبتدإ محذوف [أي الأمر هذا] والحال كذا [أو] مبتدأ محذوف الخبر أي [هذا كما ذكر، و] قد يكون الخبر مذكورا مثل [قوله] بعد ما ذكر جمعا من الأنبياء عليهم‌السلام وأراد أن يذكر بعد ذلك الجنة وأهلها [هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب] بإثبات الخبر أعنى قوله ـ ذكر ـ وهذا مشعر بأنه في مثل قوله تعالى ﴿هذا وإن للطاغين مبتدأ محذوف الخبر، قال ابن الأثير لفظ ـ هذا ـ في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل(٢) وهو علاقة وَكِيدَةٌ بين الخروج من كلام إلى كلام آخر [ومنه] أي من الاقتضاب القريب من التخلص [قول الكاتب] هو مقابل

__________________

(١) فتفيد مصاحبة ما بعدها لما قبلها برعاية اسم الاشارة المتضمن لمعنى أشير وهو عامل الحال.

(٢) لأن الربط بها على وجه الْحَالِيَّةِ الحقيقية وهي مطردة، أما الربط بمثل الْجَوَابِيَةِ في بيتى أبي تمام السابقين فإنه لا يخلو عن تَمَحُّل ومخالفة لما في نفس الأمر.

۵۲۰۱