يَلِيهِمْ مِنَ الْمُخْضَرَمِينَ كَقَوْلِهِ:

لَوْ رَأَي اللهُ أَنَّ في الشَّيْبِ خَيْراً

جَاوَرَتْهُ الْأَبْرَارُ في الْخُلْدِ شَيْباً

كُلِّ يَوْم تُبْدِى صُرُوفُ اللَّيَالى

خُلُقاً مِنْ أَبِي سَعِيدِ غَرِيبَا

وَمِنْهُ مَا يَقْرُبُ مِنَ التَّخَلُّصِ كَقَوْلِكَ بَعْدَ حَمْدِ اللهِ ـ أَمَّا بَعْدُ ـ قِيلَ وَهُوَ


يليهم من المخضرمين] بالخاء والضاد المعجمتين أي الذي أدركوا الجاهلية والإسلام، مثل لَبِيد، قال في الأساس: ناقة مخضرمة أي جُدِعَ نصف أُذُنِهَا ومنه المخضرم الذي أدرك الجاهلية والإسلام، كأنما قطع نصفه حيث كان في الجاهلية [كقوله:

لو رأي الله أن في الشيب خيرا

جاورته الأبرار في الخلد شيبا]

جمع أشْيَبَ وهو حال من الأبرار، ثم انتقل من هذا الكلام إلى ما لا يلائمه فقال [كل يوم تبدى] أي تظهر [صروف الليالى * خلقا من أبي سعيد غريبا(١)] ثم كون الاقتضاب مذهب العرب والمخضرمين أي دأبَهُم وطريقتهم لا ينافى ان يسلكه الاسلاميون ويتبعوهم في ذلك، فإن البيتين المذكورين لأبي تمام وهو من الشعراء الإسلامية في الدولة العباسية، وهذا المعنى مع وضوحه قد خفى على بعضهم حتى اعترض على المصنف بأن أبا تمام لم يدرك الجاهلية فكيف يكون من المخضرمين [ومنه] أي من الاقتضاب [ما يقرب من التخلص] في أنه يَشُوبُهُ شيء من المناسبة [كقولك بعد حمدالله ـ أما بعد] فإنه كان كذا وكذا، فهو اقتضاب من جهة الانتقال من الحمد والثناء إلى كلام آخر من غير ملاءمة بينهما، لكنه يشبه التخلص حيث لم يؤت بالكلام الآخر فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بما قبله، بل قصد نوع من الربط على معنى مهما يكون من شيء بعد الحمد والثناء فإنه كان كذا وكذا(٢) [قيل وهو] أي قولهم بعد حمد الله

__________________

(١) أبو سعيد هو محمد بن يوسف، والبيتان من قصيدة لأبي تمام في مدحه مطلعها:

مِنْ سَجَايَا الطُّلُولِ أَلاَّ تُجِيبَا

فصوابٌ من مُقْلَتِى أن تَصُوبَا

(٢) فأفاد ذلك أن ما وقع بعدالحمد والثناء مرتبط بكل شيء وواقع على وجه اللزوم ادعاء بعدهما.

۵۲۰۱