وَالْأَسْجَاعُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سُكُونِ الاْعْجازِ كَقَوْلِهِمْ ـ مَا أَبْعَدَ مَافَاتْ، وَأَقْرَبَ مَا هُوَ آتْ ـ قيلَ وَلاَ يُقَالُ في الْقُرْآنِ أَسْجَاعٌ بَلْ يُقَالُ فَوَاصِلُ، وَقِيلَ السَّجْعُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالنَّثْرِ وَمِثَالُهُ فِي النَّظْمِ قَوْلُهُ:

تَجَلَّى بِهِ رُشْدِى، وَأَثْرَتْ بِهِ يَدِي

وَفَاضَ بِهِ ثِمْدِى، وَأَوْرَى بِهِ زَنْدِى


وإنما قال ـ كثيرا ـ احترازا عن نحو قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيل [والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز] أي أواخر فواصل القرائن، إذ لا يتم التَّوَاطُؤ والتَّزَاوُجُ في جميع الصور إلا بالوقف والسكون [كقولهم ـ ما أبعد مافات، وأقرب ما هو آت] إذ لولم يعتبر السكون لفات السجع، لأن التاء من ـ فات ـ مفتوح، ومن ـ آت ـ منون مكسور [قيل ولا يقال في القرآن أسجاع] رعاية للأدب وتعظيما له، إذ السجع في الأصل هَدِيرُ الْحَمَام ونحوه(١) وقيل لعدم الاذن الشرعي، وفيه نظر إذ لم يقل أحد بتوقف أمثال هذا على إذن الشارع، وإنما الكلام في أسماء الله تعالى [بل يقال] للأسجاع في القرآن أعني الكلمة الأخيرة من الْفِقْرَةِ [فواصل، وقيل السجع غير مختص بالنثر، ومثاله في النظم قوله: تجلى به رشدي، وأثرت] أي صارت ذا ثروة [به يدى، وفاض به ثمدى،] هو بالكسر الماء القليل، والمراد ههنا المال القليل [وأورى] أي صار ذا وَرْى [به زندى(٢)] فأما أُورى بضم الهمزة وكسر الراء على أنه متكلم المضارع من ـ أوْرَيْتُ الزند أخرجت ناره ـ فتصحيف، ومع ذلك يأباه الطبع(٣)

__________________

(١) بالرفع معطوف على ـ هدير ـ أي ونحو الهدير كتصويت الناقة، وليس بالجر لأن الهدير قاصر على الحمام وحده.

(٢) البيت لأبي تمام، والضمير في قوله ـ تجلى ـ لنصر المذكور في البيت قبله:

سأحمد نصراً ما حَيِيتُ وإنَّنِي

لأعلم أن قد جَلَّ نصر عن الْحَمْدِ

(٣) لأن الضمائر قبله للغيبة، فالسياق يقتضى أن يكون هذا للغيبة أيضا.

۵۲۰۱