بِدَلِيلِ (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بهِ جِنَّةٌ) لأَنْ المُرَادَ بالثّانِي غَيْرُ الْكِذْبِ لِأَنَّهُ قَسِيمُهُ، وَغَيرُ الصّدْقِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ، وَرُدَّ بأَنْ المَعْنى أَمْ لَمْ يَفْترِ،


في الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد جميعا، وفي الكذب عدم مطابقتهما جميعا، بناء على أن اعتقاد المطابقة يستلزم مطابقة الاعتقاد ضرورة توافق الواقع والاعتقاد حينئذ، وكذا اعتقاد عدم المطابقة يستلزم عدم مطابقة الاعتقاد، وقد اقْتُصِرَ في التفسيرين السابقين على أحدهما(١) [بدليل أفترى على الله كذبا أم به جنة ]لأن الكفار حصروا إخبار النبي عليه‌السلام بالحشر والنشر على ما يدل عليه قوله تعالى ﴿إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إنَّكُمْ لَفِى خَلْق جَدِيد في الافتراء والأخبار حال الْجِنَّةِ على سبيل منع الخلو(٢) ولا شك [أن المراد بالثاني] أي الإخبار حال الجنة لا قوله (أمْ بِهِ جِنَّةٌ) على ما سبق إلى بعض الأوهام [غير الكذب لأنه قسيمه] أي لأن الثاني قسيم الكذب، إذ المعنى أكَذَبَ أم أخبر حال الجنة، وقسيم الشيء يجب أن يكون غيره [وغير الصدق لأنهم لم يعتقدوه] أي لأن الكفار لم يعتقدوا صدقه، فلا يريدون في هذا المقام الصدق الذي هو بمراحل عن اعتقادهم، ولو قال لأنهم اعتقدوا عدم صدقه لكان أظهر، فمرادهم بكونه خبرا حال الجنة غير الصدق وغير الكذب، وهم عقلاء من أهل اللسان عارفون باللغة، فيجب أن يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب حتى يكون هذا منه بزعمهم، وعلى هذا لا يتوجه ما قيل إنه لا يلزم من عدم اعتقادهم الصدق عدم الصدق، لأنه لم يجعله دليلا على عدم الصدق بل على عدم إرادة الصدق، فَلْيُتَأَمَّلْ [ورد] هذا الاستدلال [بأن المعنى] أي معنى ـ أَمْ بهِ جِنَّةٌ [أم لم يفتر

__________________

(١) وهو الواقع في قول الجمهور، والاعتقاد في قول النظام.

(٢) هي مانعة جمع أيضاً، لأن الكذب لا يكون في حال الجنة، إذ لا كذب مع عدم القصد.

۵۲۰۱