وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ أوْ يَمُوتَ مِنِّى كَرِيمٌ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَمِنْهَا نَحْوُ قَوْلِهِ:

يا خَيْرَ مَنْ يَرْكَبُ الْمَطِيَّ وَلاَ

يَشْرَبُ كَأْساً بِكَفِّ مَنْ بَخِلاَ

ومِنْها مُخَاطَبَةُ الإنْسانِ نَفْسَهُ كَقَوْلِهِ:


منصوب باضمار أن أي إلا أن يموت [كريم(١)] يعنى نفسه، انتزع من نفسه كريما مبالغة في كرمه، فإن قيل هذا من قَبِيلِ الالتفات(٢) من التكلم إلى الغيبة، قلنا لا يُنَافِى التجريدَ على ما ذكرنا(٣) [وقيل تقديره أو يموت منى كريم] فيكون من قَبِيلِ ـ لي من فلان صديق حميم ـ ولا يكون قسما آخر [وفيه نظر] لحصول التجريد وتمام المعنى بدون هذا التقدير [ومنها] ما يكن بطريق الكناية[نحو قوله:

يا خير من يركب المطى ولا

يشرب كأسا بكف من بخلا(٤)]

أي يشرب الكأس بكف الجواد، انتزع منه جوادا يشرب هو بكفه على طريق الكناية، لأنه إذا نفي عنه الشرب بكف البخيل فقد أثبت له الشرب بكف كريم، ومعلوم أنه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم، وقد خفى هذا على بعضهم فزعم أن الخطاب إن كان لنفسه فهو تجريد، وإلاَّ فليس من التجريد في شيء، بل كناية عن كَوْنِ الممدوح غير بخيل، وأقول: الكناية لا تنافى التجريد على ما قررنا، ولو كان الخطاب لنفسه لم يكن قسما بنفسه بل داخلا في قوله [ومنها مخاطبة الإنسان نفسه]

__________________

(١) البيت لِقَتَادَةَ بن مَسْلَمَةَ الْحَنَفِيِّ من شعراء الجاهلية.

(٢) وحينئذ لا يكون من التجريد، لأن الالتفات مبنى على اتحاد المعنى في طريقيه، والتجريد مبنى على اعتبار أن الْمُجَرَّدَ غير المجرد منه.

(٣) أي في تعريف التجريد فإنه لا يمنع أن يجامعه الالتفات، وهذا لأن المراد بالاتحاد في الالتفات الاتحادُ في نفس الأمر لا الاتحادُ فيه وفي الاعتبار، والمراد بالتعدد في التجريد التعدد بحسب الاعتبار لا في نفس الأمر، فلا منافاة بينهما في ذلك.

(٤) هو لاِعْشَى قيس.

۵۲۰۱