وَلكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ـ وَنَحْوُ ـ فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ـ وَمِنَ الطِّباقِ نَحْوُ قَوْلِهِ:

تَرَدَّى ثِيابَ المَوْتِ حُمْراً فَما أَتَى

لَهَااللَّيْلُ إلاَّ وَهْيَ مِنْ سُنْدِس خُضْرُ


تعالى ـ ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون] ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [و] الثاني [نحو قوله تعالى ـ فلا تخشوا الناس واخشون، ومن الطباق] ما سماه بعضهم تدبيجا من ـ دَبَجَ المطَرُ الأرضَ إذا زينها ـ وفسره بأن يُذْكَرَ في معنى من المدح أو غيره ألوانٌ لقصد الكناية أو التَّوْرِيَةِ(١) وأراد بالألوان ما فوق الواحد بقرينة الأمثلة، فتدبيج الكناية [نحو قوله: تردي] من ـ تَرَدَّيْتُ الثوب أخذته رِدَاءً [ثياب الموت حمرا فما أتى * لها] أي لتلك الثياب [الليل إلا وهي من سندس خضر(٢)] يعنى ارتدى الثياب الملطخة بالدم فلم ينقض يوم قتله ولم يدخل في ليلته إلا وقد صارت الثياب من سندس خضر من ثياب الجنة، فقد جمع بين الْحُمْرَةِ والْخُضْرَةِ، وقد قصد بالأول الكناية عن القتل، وبالثاني الكناية عن دخول الجنة، وتدبيج التورية كقول الحريري: فَمُذِ اغْبَرَّ العيش الأخضر، وازْوَرَّ المحبوب الأصفر، اسْوَدَّ يومى الأبيض، وابْيَضَّ فَؤدِي الأسود، حتى رَثَى لي العدو الأزرق(٣) فيا حَبَّذَا الموت الأحمر(٤) فالمعنى القريب للمحبوب الأصفر إنسان له صُفْرَةٌ، والبعيد هو الذهب وهو المراد ههنا، فيكون تورية، وجمع الألوان لقصد التورية لا يقتضى أن يكون في كل لون تورية كما توهمه بعضهم.

__________________

(١) احترز بهذا عن ذكرها لقصد الحقيقة أو المجاز، وقيل إن ذلك ليس بقيد، ومن ذلك في الحقيقة:

ومنثورُ دمعى غَدَا أَحْمَراً

على رأس عَارِضِكَ الأخْضَرِ

(٢) البيت لأبي تمام من قصيدة له في رثاء محمد بن حُمَيْدِ الطَّائىِّ.

(٣) كناية عن الشديد العداوة.

(٤) كناية عن القتل.

۵۲۰۱