المحسنات البديعية من التجنيس والترصيع ونحوهما مما يكون بعد رعاية المطابقة، والمراد أنه علم يعرف به هذه الأحوال من حيث إنها يطابق بها اللفظ مقتضى الحال، لظهور أنْ ليس علم المعاني عبارة عن تصور معاني التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والاثبات والحذف وغير ذلك، وبهذا يخرج عن التعريف علم البيان إذ ليس البحث فيه عن أحوال اللفظ من هذه الحيثية(١)والمراد بأحوال اللفظ الأمور العارضة له من التقديم والتأخير والإثبات والحذف وغير ذلك، ومقتضى الحال في التحقيق هو الكلام الكلي المتكيِّفُ بكيفية مخصوصة على ما أشير إليه في المفتاح وصرح به في شرحه، لا نفس الكيفيات من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير على ما هو ظاهر عبارة المفتاح وغيره، وإلا لما صح القول بأنها أحوال بها يطابق اللفظ مقتضى الحال، لأنها عين مقتضى الحال وقد حققنا ذلك في الشرح، وأحوال الاسناد أيضا من أحوال اللفظ باعتبار أن التأكيد وتركه مثلا من الاعتبارات الراجعة إلى نفس الجملة، وتخصيص اللفظ بالعربي مجرد اصطلاح، لأن الصناعة إنما وضعت لذلك.

__________________

(١) وقيل إن أحوال اللفظ فيه من التشبيه والمجاز وغيرهما قد يبحث فيها من هذه الحيثية، فتكون من علم المعاني لا من علم البيان، ومن ذلك في الكناية قول كثير لعبد العزيز بن مروان:

وما زالتْ رُقَاكَ تسلُّ ضغنى

وَتُخْرِجُ من مَكَامِنِهَا ضِبَابِى

ويَرْقِينِي لك الرَّاقُون حتَّى

أجابتْ حَيَّة تحت التُّراب

جعل ذلك كناية عن تودده اليه، وهذا لا يليق بمقام مدحه له، وإنما يخاطب الممدوح بمثل قول النابغة للنعمان بن المنذر:

ولستَ بِمُسْتَبْق أَخاً لا تَلُمُّهُ

على شَعَث أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ

فإنْ أَكُ مظلوماً فعبدٌ ظلمتَهُ

وإنْ تَكُ ذا عُتْبَى فمثلُكَ يُعْتِب

۵۲۰۱