وَبِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِاصْطِلاَحِ بِهِ التَّخَاطُبُ لاَبُدَّ مِنْهُ في تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ.


الجواب بأن السكاكى لم يقصد أن مطلق الوضع بالمعنى الذي ذكره يتناول الوضع بالتأويل، بل مراده أنه قد عَرَضَ للفظ الوضع اشتراك بين المعنى المذكور وبين الوضع بالتأويل كما في الاستعارة، فقيده بالتحقيق ليكون قرينة على أن المراد بالوضع معناه المذكور لا المعنى الذي يستعمل فيه أحيانا وهو الوضع بالتأويل، وبهذا يخرج الجواب عن سؤال آخر وهو أن يقال لو سلم تناول الوضع للوضع بالتأويل فلا تخرج الاستعارة(١) أيضا، لأنه يصدق عليها أنها مستعملة في غير ما وضعت له في الجملة أعنى الوضع بالتحقيق، إذ غاية(٢) ما في الباب أن الوضع يتناول الوضع بالتحقيق والتأويل، لكِنْ لا جِهَةَ لتخصيصه بالوضع بالتأويل فقط حتى تخرج الاستعارة أَلْبَتَّةَ [و] رُدَّ أيضا ما ذكره [بأن التقييد باصطلاح به التخاطب] أو ما يؤدي معناه كما لابد منه في تعريف المجاز ليدخل فيه نحو لفظ الصلاة إذا استعمله الشارع في الدعاء مجازا كذلك [لابد منه في تعريف الحقيقة] أيضا ليخرج عنه نحو هذا اللفظ، لأنه مستعمل فيما وضع له في الجملة وإن لم يكن ما وضع له في هذا الاصطلاح، ويمكن الجواب بأن قيد الْحَيْثِيَّةِ مراد في تعريف الأمور التي تختلف باختلاف الاعتبارات والاضافات، ولا يخفى أن الحقيقة والمجاز كذلك، لأن الكلمة الواحدة بالنسبة إلى المعنى الواحد قد تكون حقيقة وقد تكون مجازا بحسب وضعين مختلفين، فالمراد أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من حيث إنها موضوعة له، لا سِيَّمَا أن تعليق الحكم بالوصف(٣) مفيد لهذا المعنى، كما يقال ـ الجواد لا يخيب

__________________

(١) أي من تعريف المجاز على تقدير عدم زيادة القيد الأخير.

(٢) هذا تعليل لِلْمُعَلَّلِ مع علته.

(٣) المراد بالحكم الاستعمال المأخوذ من قوله ـ المستعملة ـ ومن الوصف الوضع المأخوذ من قوله ـ وُضِعَتْ له.

۵۲۰۱