وَالنَّهْيُ عَنْهُ في قَوْلِهِ:

لاَ تَعْجَبُوا مِنْ بِلَى غِلاَلَتِهِ

قَدْ زَرَّ أَزْرَارَهُ عَلَى الْقَمَرِ

وَرُدَّ بِأَنَّ الادِّعَاءَ لاَ يَقْتَضِى كَوْنَهَا مُسْتعملَةً فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ،


لا تَعَجُّبَ في أن يُظَلِّلَ إنسان حسن الوجه إنسانا آخر [والنهي عنه] أي ولهذا صح النهي عن التعجب [في قوله: لا تعجبوا من بلى غلالته *] هي شِعَارٌ يلبس تحت الثوب وتحت الدِّرْعِ أيضا [قد زر أزراره على القمر(١)] تقول ـ زَرَرْتُ القميص عليه ـ أزُرُّهُ إذا شَدَدْتَ أزراره عليه(٢) فلولا أنه جعله قمرا حقيقيا لما كان للنهي عن التعجب معنى، لأن الْكَتَّانَ إنما يسرع إليه الْبِلَى بسبب ملابسة القمر الحقيقى لا بملابسة إنسان كالقمر في الحسن، لا يقال القمر في البيت ليس باستعارة لأن المشبه مذكور وهو الضمير في ـ غلالته وأزراره. لأنا نقول لا نسلم أن الذكر على هذا الوجه ينافي الاستعارة المذكورة(٣) كما في قولنا ـ سيف زيد في يد أسد ـ فإن تعريف الاستعارة صادق على ذلك [ورد] هذا الدليل [بأن الادعاء] أي ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به [لا يقتضى كونها] أي الاستعارة [مستعملة فيما وضعت له] للعلم الضروري بأن أسدا في قولنا ـ رأيت أسدا يرمى ـ مستعمل في الرجل الشجاع، والموضوع له هو السبع المخصوص، وتحقيق ذلك أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به مَبْنِيٌّ على أنه جعل أفراد الأسد بطريق التأويل قسمين: أحدهما الْمُتَعَارَفُ وهو الذي له غاية

__________________

(١) البيت لمحمد بن طَبَاطَبَا الْعَلَوِيِّ من شعراء الدولة العباسية.

(٢) يشير بهذا إلى أن تعدية ـ زَرَّ ـ إلى الأزرار فيها تسامح، لأنه إنما يتعدي إلى القميص ويتضمن الدلالة على الأزرار، ولا يتعدي إلى الأزرار كما عداه الشاعر.

(٣) لأن الذي ينافيها إنما هو ذكره على وجه ينبي عن التشبيه، بأن يكون المشبه به خبرا عن المشبه أو حالا أو صفة، نحو ـ زيد أسد، ومررت بزيد أسدا، وجاءني رجل أسد.

۵۲۰۱