وَقَدْ يَعُودُ إلَى المُشبَّهِ بِهِ، وَهُوَ ضَرْبانِ: أَحَدُهُمَا إيهامُ أَنَّهُ أَتَمُّ مِنَ الْمُشَبَّهِ، وَذَلِكَ في التَّشْبِيهِ المَقْلوبِ كَقَوْلِهِ:

وَبَدَا الصَّبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ

وَجْهُ الخَلِيفَةِ حِينَ يُمْتَدَحُ

وَالثَّانِي بَيانُ الاهْتِمامِ بِهِ، كَتَشْبِيهِ الْجَائِعِ وَجْهَا كالْبَدْرِ في الاْشْرَاقِ وَالاسْتِدَارَةِ بالرَّغِيفِ، وَيُسَمَّى هذَا إظْهارَ المَطْلوبِ.


فإن صورة اتصال النار بأطراف الكبريت لا يندر حضورها في الذهن ندرة حضور بحر من المسك موجه الذهب، لكِنْ يندر حضورها عند حضور صورة البنفسج، فَيُسْتَطْرَفُ بمشاهدة عِنَاق بين صورتين متباعدتين غاية البعد.

[وقد يعود] أي الغرض من التشبيه [إلى المشبه به، وهو ضربان: أحدهما إيهام أنه أتم من المشبه] في وجه الشبه [وذلك في التشبيه المقلوب] الذي يجعل فيه الناقص مُشَبَّهاً به قَصْداً إلى ادِّعَاءِ أنه أكمل [كقوله: وبدا الصباح كأن غرته *] هي بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم استعير لبياض الصبح [وجه الخليفة حين يمتدح(١)] فإنه قُصِدَ إيهامُ أنَّ وجه الخليفة أتَمُّ من الصباح في الوضوح والضياء، وفي قوله ـ حين يمتدح ـ دلالة على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادج وتعظيم شأنه عند الحاضرين بالاصغاء إليه والارتياح له، وعلى كماله في الكرم حيث يتصف بالْبِشرِ والطَّلاَقَةِ عند استماع المديح.

[و] الضرب [الثاني] من الغرض العائد إلى المشبه به [بيان الاهتمام به] أي بالمشبه به [كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الاشراق والاستدارة بالرغيف، ويسمى هذا] أي التشبيه المشتمل على هذا النوع من الغرض [إظهار المطلوب].

__________________

(١) البيت لمحمد بن وُهَيْب في مدح المأمون من قصيدة له مطلعها:

العذرُ إن أنصفت مُتَّضِحُ

وشهودُ حبك أدْمُعٌ سُفُحُ

۵۲۰۱