وَما يُدْرَكُ بِالْوِجْدَانِ كاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ.


أي أيقتلنى ذلك الرجل الذي تَوَعَّدَنِي والحال أن مضاجعي سيف منسوب إلي مَشَارِفِ اليمن، وسهام مُحَدَّدةُ النِّصال صافية مَجْلُوَّةٌ، وأنياب الأغوال مما لا يدركها الحس لعدم تَحَقُّقِهَا، مع أنها لو أدركت لم تدرك إلا بحس البصر، ومما يجب أن يعلم في هذا المقام أن من قُوَى الادراك ما يسمى مُتَخَيِّلَةً ومُفَكِّرَةً، ومن شأنها تركيب الصور والمعاني وتفصيلها والتصرف فيها واختراع أشياء لا حقيقة لها، والمراد بالخيالي المعدوم الذي رَكَّبَتْهُ المتخيلة من الأمور التي أُدْرِكَتْ بالحواسِّ الظاهرة، وبالوهميِّ ما اخترعته المتخيلة من عند نفسها، كما إذا سمع أنَّ الْغُولَ شيء لك به النفوس كالسبع، فأخذت المتخيلة في تصويرها بصورة السبع واختراع ناب لها كما للسبع [وما يدرك بالوجدان] أي ودخل أيضا في العقلي ما يدرك بالْقُوَى الباطنة، ويسمى وجدانياً [كاللذة] وهي إدراك ونَيْلٌ لِمَا هو عند الْمُدْرِكِ كمالٌ وخير من حيث هو كذلك(١)[والألم] وهو إدراك ونيل لما هو عند المدرك آفَةٌ وشَرٌّ من حيث هو كذلك، ولا يخفى أن إدراك هذين المعنيين ليس بشيء من الحواس الظاهرة، وليسا أيضا من العقليات الصِّرْفَةِ لِكَوْنِهِمَا من الجزئيات المستندة إلى الحواسِّ(٢) بل

__________________

(١) قَيَّدَ بذلك لأن الشيء قد يكون كمالا وخيرا من وجه دون وجه، فالالتذاذ به إنما يكون من الوجه الأول.

(٢) يعنى الحواس الباطنة، وهي القوى التي يدرك بها المعاني الجزئية، مثل القوة الغضبية، والقوة الشهوية.

تطبيقات على الطرفين:

١ـ لها بَشَرٌ مثل الحرير ومَنْطِقٌ

رَخِيمُ الحواشِي لا هُرَاءٌ ولا نَزْرُ

٢ـ الرأي كالليل مُسْودٌّ جوانبُهُ

واللَّيْلُ لا ينجلى إلاَّ باصباحِ

٣ـ أهديتُ عِطْراً مثل طِيبِ ثنائِه

فكأنما أُهْدِى له أخلاقَهُ

فالأول من تشبيه المحسوس بالمحسوس، والثاني من تشبيه العقلي بالحسي، والثالث من تشبيه الحسي بالعقلي.

أمثلة أخرى:

١ـ تُشْرُقُ أعراضُهُمُ وأوْجُهُهُمْ

كأنها في نفوسهم شِيَمُ

٢ـ أيَهْجُرُنِي قومى عفا الله عنهُمُ

إلى لُغَة لم تَتَّصِلْ بِرُوَاةِ

سرتْ لُوثَةُ الافْرَنْجِ فيها كما سرى

لُعَابُ الأفاعِى في مَسِيلِ فَرَات

فجاءَتْ كثوب ضَمَّ سبعين رُقْعَةً

مُشَكَّلَةَ الألوانِ مختلفات

۵۲۰۱