فِيهِ تَارَةً إلَى ما سَبَقَ، وَأُخْرَى إلَى كَوْنِ المقامِ خَلِيقاً بأبْسَطَ مِمَّا ذُكِرَ ـ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ نِسْبِيّاً لاَيَقْتَضِى تَعَسُّرَ تَحْقِيقِ مَعْنَاهُ، ثُمَّ الْبِنَاءُ عَلَى المُتَعارَفِ وَالْبَسْطِ المَوْصُوفِ


فيه تارة إلى ما سبق] أي إلى كون عبارة المتعارف أكثر منه [و] يرجع تارة [أخرى إلى كون المقام خليقا بأبسط مما ذكر] أي من الكلام الذي ذكره المتكلم، وتوهم بعضهم أن المراد بما ذُكِرَ مُتَعَارَفُ الاوساط، وهو غلط لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد(١) يعنى كما أن الكلام يوصف بالإيجاز لكونه أقل من المتعارف كذلك يوصف به لكونه أقل مما يقتضيه المقام بحسب الظاهر(٢) وإنما قلنا بحسب الظاهر لأنه لو كان أقل مما يقتضيه المقام ظاهرا وتحقيقا لم يكن في شيء من البلاغة، مثاله قوله تعالى ﴿رَبِّ إنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّيالآية فإنه إطناب بالنسبة إلى المتعارف، أعنى قولنا ـ يا رَبِّ شِخْتُ ـ وإيجاز بالنسبة إلى مقتضى المقام ظاهراً، لأنه مقام بيان انقراض الشباب وإلمام الْمَشِيبِ، فينبغى أن يبسط فيه الكلام غاية البسط، فللإيجاز معنيان بينهما عموم من وجه(٣) [وفيه نظر، لأن كون الشيء نسبيا لا يقتضى تعسر تحقيق معناه] إذ كثيرا ما تُحَقَّقُ معاني الأمور النسبية وتُعَرَّفُ بتعريفات تليق بها، كالأبُوَّةِ والأخُوَّةِ وغيرهما، والجواب أنه لم يرد تعسر بيان معناهما، لأن ما ذكره بيانٌ لمعناهما، بل أراد تعسر التحقيق والتعيين في أن هذا القدر إيجاز وذاك إطناب [ثم البناء على المتعارف والبسط الموصوف] بأن يقال: الإيجاز هو الأداء بأقل من المتعارف أو مما

__________________

(١) لأن الإيجاز على هذا لا يشمل الأقل من مقتضى المقام إذا كان مساويا للمتعارف أو أقل منه.

(٢) أما في الباطن فإن المقام يقتضى الاقتصار على المذكور ليتفرغ لطلب المقصود، كما في هذه الآية ونحوها.

(٣) فيجتمعان في نحو ـ رَبِّ شخت ـ وينفرد الأول في نحو قول الصياد ـ غزال ـ عند خوف فوات الفرصة، وينفرد الثاني في نحو ـ يا رب شخت.

۵۲۰۱