مُحَدَثَةٌ ـ قلت: كلامه ههنا ليس إلا في بيان الجامع بين الجملتين، وأما أنَّ أيَّ قَدْر من الجامع يجب لصحة العطف فمفوض إلى موضع آخر، وقد صرح فيه باشتراط المناسبة بين المسندين والمسند إليهما جميعا، والمصنف لما اعتقد أن كلامه في بيان الجامع سَهوٌ منه وأراد إصلاحه غَيَّرَهُ إلى ما ترى، فذكر مَكَانَ الجملتين الشيئين، ومَكَانَ قوله ـ اتحاد في تصورمَّا ـ اتحاد في التصور، فوقع الخلل في قوله ـ الوهمي أن يكون بين تصوريهما شبه تماثل أو تضاد أو شبه تضاد، والخيالي أن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال ـ لأن التضاد مثلا إنما هو بين نفس السواد والبياض لا بين تصوريهما أعنى العلم بهما، وكذا التقارن في الخيال إنما هو بين نفس الصُّوَرِ(١) فلابد من تأويل كلام المصنف(٢)وحَمْلُهُ على ما ذكره السكاكى بأن يراد بالشيئين الجملتان وبالتصور مفرد من مفردات الجملة غَلَطٌ(٣) مع أن ظاهر عبارته يأبي ذلك، ولبحث الجامع زيادة تفصيل وتحقيق أوردناها في الشرح، وإنه من المباحث التي ما وجدنا أحدا حَامَ حَوْلَ تحقيقها.

__________________

(١) أي لا بين التصورات، وهذا الخلل لا يرد على السكاكى، لأن قوله ـ اتحاد في تصور ما مثل الاتحاد في المخبر عنه الخ ـ ظاهر في أنه أراد بالتصور الْمُتَصَوَّرَ على ما سبق.

(٢) بأن يقال إنه أراد بِتَصَوُّرَيْهِمَا مفهوميهما، وهما الأمران المتصوران.

(٣) لأن الخطيب قد رد كلام السكاكى في الإيضاح وحمله على السهو، فلا يصح حمل كلامه عليه، وإني أرى أن كل هذا من المماحكات اللفظية التي لا تحتملها علوم البلاغة.

تطبيقات على الوصل للتوسط بين الكمالين:

١ـ سافر تجد عِوَضاً عَمَّنْ تفارقُهُ

وانْصَبْ فإنَّ لذيذ العيش في النَّصَبِ

٢ـ إذا كنت ذا رَأْي فَكُنْ ذا عزيمة

ولاتَكُ بالترَّدَادِ للرأي مُفْسِداً

٣ـ أعَزُّ مكان في الدُّنَا سَرْجُ سابح

وخير جَلِيس في الزمان كتابُ

وصل في الأول لما بين الجملتين من الجامع العقلي، وفي الثاني لما بينهما من الجامع الوهمي، وفي الثالث لما بينهما من الجامع الخيالي.

۵۲۰۱