إنَّمَا هُوَ أَخُوكَ ـ لِمنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيُقِرُّ بِهِ وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُرَقِّقَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُنَزَّلُ المَجْهُولُ مَنْزِلَةَ المَعْلُومِ لاِدّعاءِ ظُهُورِهِ فَيُسْتَعْمَلُ لَهُ الثالِثُ نَحْوُ ـ إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ـ وَلِذلِكَ جاءَ ـ أَلاَ إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ ـ للرَّدِّ عليْهِمْ مُؤَكَّداً بِما تَرَى.

وَمَزِيَّةُ إنَّمَا عَلَى الْعَطْفِ أَنَّهُ يُعْقَلُ مِنْهَا الحُكْمانِ مَعاً، وَأَحسنُ مَواقِعِها التَعْرِيضُ، نَحْوُ ـ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الألْبَابِ ـ فإنّهُ تَعْريضٌ بِأَنَّ الْكُفَّارَ


أي الأصل في إنما أن يستعمل فيما لا ينكره المخاطب كقولك [إنما هو أخوك ـ لمن يعلم ذلك ويقربه وأنت تريد أن ترققه عليه] أي أن تجعل من يعلم ذلك رقيقا مشفقا على أخيه، والأولى بِنَاءً على ما ذكرنا(١) أن يكون هذا المثال من الاخراج لا على مقتضى الظاهر.

[وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم لادعاء ظهوره، فيستعمل له الثالث] أي إنما [نحو] قوله تعالى حكاية عن اليهود [إنما نحن مصلحون] ادَّعوْ أنَّ كَوْنَهُمْ مصلحين أمْرٌ ظاهر من شأنه ألاَّ يجهله المخاطب ولا ينكره [ولذلك جاء ـ ألا إنهم هم المفسدون ـ للرد عليهم مؤكدا بما ترى] من إيراد الجملة الاسمية الدالة على الثبات، وتعريف الخبر الدال على الحصر، وتوسيط ضمير الفصل المؤكد لذلك، وتصدير الكلام بحرف التنبيه الدال على أن مضمون الكلام مما له خَطَرٌ وبه عناية، ثم التأكيد بأنَّ، ثم تعقيبه بما يدل على التقريع والتوبيخ وهو قوله ـ وَلكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ.

[ومزية إنما على العطف أنه يعقل منها] أي من إنما [الحكمان] أعنى الاثبات للمذكور والنفي عما عداه [معا] بخلاف العطف فإنه يفهم منه أوَّلاً الاثبات ثم النفي، نحو ـ زيد قائم لا قاعد، وبالعكس نحو ـ ما زيد قائما بل قاعدا [وأحسن مواقعها] أي مواقع إنما [التعريض، نحو ـ إنما يتذكر أولوا الألباب ـ فإنه تعريض بأن الكفار

__________________

(١) من أن إنما تستعمل في مجهول من شأنه أن يعلمه المخاطب ولا ينكره.

۵۲۰۱