أَنْ يكُونَ مَا اسْتُعْمِلَ لَهُ مِمَّا يَجْهَلهُ الْمُخاطَبُ وَيُنْكِرُهُ بخلاَفِ الثالثِ، كَقَوْلِكَ لِصاحِبِكَ وَقَدْ رَأَيْتَ شَبَحاً مِنْ بَعِيد ـ مَا هُوَ إلاَّ زَيْدٌ ـ إذَا اعْتَقَدَهُ غَيْرَهُ مُصِرّاً، وَقَدْ يُنَزَّلُ المَعْلُومُ مَنزِلَةَ المَجْهُولِ لاِعْتِبار مُناسِب، فَيُسْتَعْمَلُ لَهُ الثانِي إفْرَاداً نَحْوُ ـ وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ ـ أَيّ مَقْصُورٌ عَلَى الرِّسالَةِ لاَ يَتَعَدَّاهَا إلَى التَّبَرِّى مِنَ الهلاَكِ، نُزِّلَ اسْتِعْظامُهُمْ هَلاَكَهُ مَنزِلَةَ إنْكَارِهِمْ إيَّاهُ،


[أن يكون ما استعمل له] أي الحكم الذي استعمل فيه النفي والاستثناء [مما يجهله المخاطب وينكره بخلاف الثالث] أي إنما، فإن أصله أن يكون الحكم الْمُسْتَعْمَلُ هو فيه مما يعلمه المخاطب ولا ينكره، كذا في الإيضاح نقلا عن دلائل الإعجاز، وفيه بحث، لأن المخاطب إذا كان عالما بالحكم ولم يكن حكمه مَثُوباً بخطأ لم يصح القصر، بل لا يفيد الكلام سوي لازم الحكم(١) وجوابه أن مراده أنَّ إنما تكون لخبر من شأنه ألاَّ يجهله المخاطب ولا ينكره، حتى إنَّ إنكاره يزول بأدنى تنبيه لعدم إصراره، عليه، وعلى هذا يكون موافقا لما في المفتاح [كقولك لصاحبك وقد رأيت شبحا من بعيد ـ ما هو إلا زيد ـ إذا اعتقده غيره] أي إذا اعتقد صاحبك ذلك الشبح غير زيد [مصرا] على هذا الاعتقاد.

[وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له] أي لذلك المعلوم [الثاني] أي النفي والاستثناء [إفرادا] أي حال كونه قصر إفراد [نحو ـ وما محمد إلا رسول ـ أي مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرى من الهلاك] فالمخاطبون وهم الصحابة رضى الله عنهم كانوا عالمين بكونه مقصورا على الرسالة غير جامع بين الرسالة والتبرى من الهلاك، لكنهم لما كانوا يعدون هلاكه أمراً عظيما [نزل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه] أي الهلاك، فاستعمل له النفي والاستثناء، والاعتبار الْمُنَاسِبُ هنا

__________________

(١) وهو إعلام المخاطب أن المتكلم عارف بالحكم.

۵۲۰۱