كَانَ كُلٌّ مِنْ جُمْلَتَى كُلٍّ فِعْليَّةً اسْتِقْبَالِيَّةً، وَلاَيُخَالِفُ ذلِكَ لَفْظاً إلاَّ لِنُكْتَة، كَإبْرَازِ غَيْرِ الْحَاصِلِ فِي مَعْرِضِ الْحَاصِلِ لِقُوَّةِ الْأَسْبَابِ،


الجزاء مترتبا ومتعلقا على حصول الشرط في الاستقبال، ولا يجوز أن يتعلق بتعليق أمر، لأن التعليق إنما هو في زمان التكلم لا في الاستقبال، ألا ترى أنك إذا قلت ـ إن دخلت الدار فأنت حر ـ فقد علقت في هذه الحال حُرِّيَّتَهُ على دخول الدار في الاستقبال [كان كل من جملتى كل] من إنْ وإذا، يعنى الشرط والجزاء [فعلية استقبالية] أما الشرط فلأنه مفروض الحصول في الاستقبال، فيمتنع ثبوته(١) ومُضِيُّهُ، وأما الجزاء فلأن حصوله مُعَلَّقٌ على حصول الشرط في الاستقبال، ويمتنع تعليق حصول الحاصل الثابت على حصول ما يحصل في المستقبل [ولا يخالف ذلك لفظا إلا لنكتة] لإمتناع مخالفة مُقْتَضَى الظاهر من غير فائدة، وقوله ـ لفظا ـ إشارة إلي أن الجملتين وإن جعلت كلْتَاهُمَا أو إحْدَاهُمَا اسمية أو فعلية مَاضَويَّةً فالمعنى على الاستقبال، حتى إنَّ قولنا ـ إن أكرمتني الآن فقد أكرمتك أمس ـ معناه ـ إن تَعْتَدَّ باكرامك إيَّايَ الآن فَأَعْتَدُّ باكرامي إيَّاكَ أمس، وقد تستعمل إن في غير الاستقبال قياسا مُطَّرِداً مع كان، نحو (وَإنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب) كما مَرَّ، وكذا إذا جيء بها في مقام التأكيد بعد واو الحال لمجرد الوصل والربط دون الشرط، نحو ـ زيد وإن كثر ماله بخيل، وعمرو وإن أعْطِىَ جاهاً لئيم ـ وفي غير ذلك قليلا، كقوله:

فياوَطَنى إنْ فاتنى بك سَابِقٌ

من الدهر فَلْيَنْعَمْ لساكنك الْبَالُ(٢)

ثم أشار إلى تفصيل النكتة الداعية إلى العدول عن لفظ الفعل المستقبل بقوله [كابراز غير الحاصل في معرض الحاصل لقوة الأسباب] الْمُتَآخِذَةِ في حصوله، نحو ـ إن

__________________

(١) أي أن يكون جملة اسمية، لأن معناها الثبوت.

(٢) هو لأبي العلاء المعرى، والشاهد في قوله ـ إن فاتنى ـ فإنه ماض لفظا ومعنى.

۵۲۰۱