أَوْ تَغْلِيبِ غَيْرِ الْمُتَّصِفِ بِهِ عَلَى الْمُتَّصِفِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَحْتَمِلُهُمَا.


وتصوير أن الاسراف من العاقل في هذا المقام يجب ألاَّ يكون إلاَّ على سبيل الفرض والتقدير كالْمُحَالاَت، لاشتمال المقام على الآيات الدالة على أن الاسراف مما لا ينبغى أن يصدر عن العاقل أصلا، فهو بمنزلة الْمُحَالِ، والْمُحَالُ وإن كان مقطوعا بعدم وقوعه لكنهم يستعملون فيه إن لتنزيله منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة وإرخاء الْعِنَانِ، لقصد التبكيت، كما في قوله تعالى ﴿قُلْ إنْ كَانَ للرَّحْمنِ وَلَدٌ فأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [أو تغليب غير المتصف به] أي بالشرط(١) [على المتصف به] كما إذا كان القيام قَطْعِيَّ الحصول لزيد غير قطعى لعمرو، فنقول ـ إن قمتما كان كذا [وقوله تعالى] للمخاطبين المرتابين [ ـ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ـ يحتملهما] أي يحتمل أن يكون للتوبيخ والتصوير المذكور، وأن يكون لتغليب غير الْمُرْتَابِينَ على المرتابين، لأنه كان(٢) في المخاطبين من يعرف الحق وإنما ينكر عنادا، فجعل الجميع كأنه لا ارتياب لهم، وههنا بحث وهو أنه إذا جعل الجميع بمنزلة غير المرتابين كان الشرط قَطْعِيَّ اللاَّوُقُوعِ، فلا يصح استعمال إن فيه، كما إذا كان قَطْعِيَّ الْوُقُوعِ، لأنها إنما تستعمل في المعاني المحتملة المشكوكة، وليس المعنى ههنا على حدوث الارتياب في المستقبل، ولهذا زعم الكوفيون أنَّ إنْ ههنا بمعنى إذ(٣) ونص الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ على أنَّ إن لا تقلب ـ كان ـ إلى معنى الاستقبال، لقوة دلالته على المضى، فمجرد التغليب لا يصحح استعمال إن ههنا، بل لابد من أن يقال: لَمَّا غُلِّبَ

__________________

(١) المراد غير محقق الاتصاف به كما هو الاصل في ـ إن.

(٢) هذا تعليل لقوله غير المرتابين ـ وهم الذين لم يتحقق فيهم الاتصاف بالشرط: وهو الارتياب في الآية.

(٣) لأن إذ ظرف للزمان الماضى.

۵۲۰۱