وَلِهذَا كَانَ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ.

وَمِنْهُ ضَرْبٌ آخَرُ نَحْوُ ـ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا ـ وَالاِسْتِدْرَاكُ في هذَا الْبابِ كالاِسْتِثْناءِ كَمَا في قَوْلِهِ:

هُوَ الْبَدْرُ إلاَّ أَنَّهُ الْبَحْرُ زَاخِراً

سِوَى أَنَّهُ الضِّرْغَامُ لكِنَّهُ الْوَبْلُ


الشيء ببينة، لأنه مَبْنِيٌّ على التعليق بالمحل الْمَبْنِيِّ على تقدير الاستثناء متصلا [ولهذا] أي ولِكَوْنِ التأكيد في هذا الضرب من الوجه الثاني فقط [كان] الضرب [الأول] المفيد للتأكيد من وجهين [أفضل، ومنه] أي ومن تأكيد المدح بما يشبه الذم [ضرب آخر] وهو أن يُؤْتَى بمستثنى فيه معنى المدح معمولا لفعل فيه معنى الذم [نحو ـ وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا] أي ما تعيب منا إلا أصل المناقب والمفاخر وهو الايمان، يقال ـ نَقَمَ منه وانتقم إذا عابه وكرهه ـ وهو كالضرب الأول(١) في إفادة التأكيد من وجهين [والاستدراك] المفهوم من لفظ لكن [في هذا الباب] أي باب تأكيد المدح مما يشبه الذم [كالاستثناء كما في قوله:

هو البدر إلا أنه البحر زاخرا

سوي أنه الضرغام لكنه الوبل(٢)]

فقوله ـ إلا وسوى ـ استثناء مثل ـ بيد أنى من قريش ـ وقوله ـ لكنه ـ استدراك يفيد فائدة الاستثناء في هذا الضرب، لأن إلا في الاستثناء المنقطع بمعنى لكن.

__________________

(١) لأنه يعود في المعنى إليه، إذ معنى الآية لا عيب فينا إلا الايمان.

(٢) هو لبديع الزمان الْهَمَذَانِيِّ من كتاب الدولة العباسية في مدح خَلَفِ بن أحمد السَّجِسْتَانِيِّ، والزاخر المرتفع من تلاطم الأمواج، والوبل المطر الغزير، وتشبيهه بالوبل في الكرم أبلغ من تشبيهه بالبحر فيه، لأن الأول يقتضى وجود العطاء بالفعل، ولهذا أتي به بعده.

۵۲۰۱