وَهُوَ ضَرْبَان: أَفْضَلُهُما أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ صِفَة ذَمٍّ منْفِيَّة عَنِ الشَّيْءِ صِفَةُ مَدْح بِتَقْدِير دُخُولِهَا فِيهَا كَقَوْلِهِ:

وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ

بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

أيْ إنْ كَان فُلُولُ السَّيْفِ عَيْباً، فَأَثْبَتَ شَيْئاً مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَهُوَ مُحَالٌ، فَهُوَ في الْمَعْنَى تَعْلِيقٌ بالْمُحَالِ، فَالتَّأْكِيدُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنَة وَأَنَّ الْأَصْلَ في الاِسْتِثْنَاءِ الاِتِّصَالُ، فَذِكْرُ أَدَاتِهِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا بَعْدَها يُوهِمُ


وهو ضربان: أفضلهما أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح] لذلك الشيء [بتقدير دخولها فيها] أي دخول صفة المدح في صفة الذم [كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول] جمع فَلٍّ وهو الكسر في حَدِّ السيف ]من قراع الكتائب(١) [أي مُضَارَبَةِ الجيوش [أي إن كان فلول السيف عيبا، فأثبت شيئا منه] أي من العيب [على تقدير كونه منه] أي كون فلول السيف من العيب [وهو] أي هذا التقدير وهو كون الفلول من العيب [محال] لأنه كناية عن كمال الشجاعة [فهو] أي إثبات شيء من العيب على هذا التقدير [في المعنى تعليق بالمحال] كما يقال ـ حتى يَبْيَضَّ الْقَارُ، وحتى يَلِجَ الجمل في سَمَّ الْخِيَاطِ [والتأكيد فيه] أي في هذا الضرب [من جهة أنه كدعوي الشيء ببينة] لأنه عَلَّقَ نقيض الْمُدَّعَى وهو إثبات شيء من العيب بالمحال، والْمُعَلَّقُ بالمحال محال، فعدم العيب مُحَقَّقٌ(٢) [و] من جهة [أن الأصل في] مطلق [الاستثناء] هو [الاتصال] أي كَوْنُ المستثنى منه بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه، وذلك لَما تقرر في موضعه من أن الاستثناء المنقطع مجاز، وإذا كان الأصل في الاستثناء الاتصال [فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها] يعنى المستثني [يوهم

__________________

(١) البيت للنابغة الذُّبْيَانِيِّ في مدح عمرو بن الحارث الأصغر.

(٢) وهذا يرجع إلى دليل الْخُلْف، وهو إثبات المدعي بابطال نقيضه، والمدعي هنا هو أنه لا عيب فيهم.

۵۲۰۱