أَوِ التَّنْبِيهِ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ عَلَى أَنّهُ خَبَرٌ لاَ نَعْتٌ، كَقَوْلِهِ:

لَهُ هِمَمٌ لا مُنْتَهى لِكِبارِها

وَهِمَّتُهُ الصُّغْرَى أجَلُّ مِنَ الدَّهْرِ

أوِ التَّفاؤُلِ أَوِ التَّشْوِيقِ إِلَى ذِكْرِ المُسْنَدِ إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ:

ثَلاَثَةٌ تُشْرِقُ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِها

شَمْسُ الضحى وَأبُو إسْحَاقَ وَالقَمَرُ


مقابلة خمور الجنة هي خمور الدنيا لا مطلق المشروبات وغيرها [أو التنبيه] عَطْفٌ على تخصيصه، أي تقديم المسند للتنبيه [من أول الأمر على أنه] أي المسند [خبر لا نعت] إذ النعت لا يتقدم على المنعوت، وإنما قال ـ من أول الأمر ـ لأنه ربما يعلم أنه خبر لا نعت بالتأمل في المعنى، والنظر إلى أنه لم يَرِدْ في الكلام خَبَرٌ للمبتدإ [كقوله:

له همم لا منتهى لكبارها

وهمته الصغرى أجل من الدهر(١)]

حيث لم يقل ـ هِمَمٌ لَهُ [أو التفاؤل نحو]:

سَعِدَتْ بِغُرَّةِ وجهك الأَيَّامُ(٢)

[أو التشويق إلى ذكر المسند إليه] بأن يكون في المسند المتقدم طول يُشَوِّقُ النفس إلى ذكر المسند إليه، فيكون له وَقْعٌ في النفس، ومَحَلٌّ من القبول، لأن الحاصل بعد الطلب أعَزُّ من الْمُنْسَاقِ بلا تعب [كقوله: ثلاثة] هذا هو المسند المتقدم الموصوف بقوله [تشرق] من أشرق ـ بمعنى صار مضيئا [الدنيا] فاعل ـ تشرق ـ والعائد إلى الموصوف هو الضمير المجرور في قوله [ببهجتها] أي بحسنها

__________________

(١) هو لبكر بن النَّطَّاح من شعراء الدولة العباسية، أو لحسان بن ثابت من الشعرا المخضرمين، والشاهد في قوله ـ له همم ـ فلو أخر المسند فيه لتوهم أنه نعت للنكرة قبله والجملة بعده خبر، وهذا خلاف مقصوده.

(٢) هو من قول بعضهم:

سعدت بغرة وجهك الأيامُ

وتَزَيَّنَتْ ببقائك الأعوامُ

والشاهد في قوله ـ سعدت ـ وتزينت ـ فالتقديم فيهما للتفاؤل.

۵۲۰۱