لما شاهدوا من أن المحصلين قد تقاصرت هممهم عن استطلاع طوالع أنواره، وتقاعدت عزائمهم عن استكشاف خبيئات أسراره، وأن المنتحلين قد قلبوا أحداق الأخذ والانتهاب، ومدوا أعناق المسخ على ذلك الكتاب، وكنت أضرب عن هذا الخطب صفحا، وأطوي دون مرامهم كشحا، علما منى بأن مستحسن الطبائع بأسرها، ومقبول الأسماع عن آخرها، أمر لا تسعه مقدرة البشر، وإنما هو شأن خالق القوي والقدر، وأن هذا الفن قد نضب اليوم ماؤه فصار جدالا بلا أثر، وذهب رواؤه فعاد خلافا بلا ثمر. حتى طارت بقية آثار السلف أدراج الرياح، وسالت بأعناق مطايا تلك الأحاديث البطاح، وأما الأخذ والانتهاب فأمر يرتاح له اللبيب، وللأرض من كأس الكرام نصيب، وكيف ينهر عن الأنهار السائلون، ولمثل هذا فليعمل العاملون، ثم مازادتهم مدافعتي إلا شغفا وغراما، وظمأ في هو اجر الطلب وأُواَما، فانتصبت لشرح الكتاب على وفق مقترحهم ثانيا(١)، ولعنان العناية نحو اختصار الأول ثانيا مع جمود القريحة بِصِرِّ البليات، وخمود الفطنة بِصَرْصَرِ النكبات، وترامى البلدان بي والأقطار، ونْبُوِّ الأوطان عني والأوطار، حتى طفقت أجوب كل أغبر قاتم الارجاء وأحرر كل سطر منه في شطر من الغبراء.

يوماً بِحُزْوَى ويوماً بالعقيق وبالْـ

ـعُذَيْبِ يوماً ويوماً بالْخُلَيْصَاءِ(٢)

***

ولما وفقت بعون الله تعالى للاتمام، وقوضت عنه خيام الاختتام، بعد ما كشفت عن وجوه خرائده اللثام، ووضعت كنوز فرائده على طرف الثمام.

سعد الزمان وساعد الاقبال

ودنا المنى وأجابت الآمال

__________________

(١) ثانيا هنا صفة لمصدر محذوف أي انتصابا ثانيا، وفيما بعده اسم فاعل من ثنى بمعني صرف.

(٢) حزوى والعقيق والعذيب والخليصاء مواضع بالحجاز، ويريد الشارح تشبيه حاله بحال هذا الشاعر وأنه ألف هذا الشرح في حال متعبة.

۵۲۰۱