﴿ ومنع ابن إدريس من بيع الدين على غير المديون (١) ﴾ استناداً إلى دليلٍ قاصر (٢) وتقسيمٍ غير حاصر ﴿ والمشهور الصحّة ﴾ مطلقاً؛ لعموم الأدلّة.
﴿ ولو باع الذمّي ما لا يملكه المسلم ﴾ كالخمر والخنزير ﴿ ثم قضى منه دين المسلم صحّ قبضه ولو شاهده ﴾ المسلم؛ لإقرار الشارع له على ذلك (٣) لكن يشترط استتاره به كما هو مقتضى الشرع، فلو تظاهر به لم يجز، ومن ثمَّ يقيّد
__________________
(١) السرائر ٢:٣٨.
(٢) حاصل استدلال ابن إدريس على المنع من بيعه على غير المديون يرجع إلى حصرٍ ادّعى صحّته: فهو إنّ المبيع إمّا عينٌ معيّنةٌ أو في الذمّة، والأوّل إمّا بيع عين مرئيّة مشاهدة فلا يحتاج إلى وصفٍ وإمّا عين غير مشاهدةٍ فيحتاج إلى وصفها وذكر جنسها وهو بيع خيار الرؤية، وأمّا الذي في الذمّة فهو السلف المفتقر إلى الأجل المعيّن والوصف الخاصّ. قال: والدين ليس عيناً مشاهدةً ولا معيّنةً موصوفةً؛ إذ للمديون التخيير في جهات القضاء وليس بسَلَمٍ إجماعاً ولا قسمٌ رابعٌ هنا لنا. ثمّ اعترض على نفسه بأ نّه خلاف الإجماع، لانعقاده على صحّة بيع الدين. ثمّ أجاب بأنّ العمومات قد يخصّ والأدلّة هنا عامّةٌ نخصّها ببيعه على غير من هو عليه. ثمّ عقّب ذلك بأ نّه تحقيقٌ لا يبلغه إلّا محصّل اُصول الفقه وضابط فروع المذهب، عالم بأحكامه، محكمٌ لمداره وتقريراته وتقسيماته ثمّ استدلّ أيضاً بالإجماع على عدم صحّة جعل الدين مضاربةً إلّا بعد قبضه. ثمّ أطنب في ذلك بما لا محصّل له.
وأنت خبيرٌ بأنّ التقسيم الذي ادّعى فيه الحصر لا دليل عليه. وما ادّعاه من الإجماع واردٌ عليه وما اعتذر عنه من التخصيص متوقّف على قيام المخصّص وهو مفقود، والمنع من المضاربة على الدين لا مدخل له في المنع من بيعه أصلاً، وإلّا لمنع من بيعه على من هو عليه كما يمنع من مضاربته به. وإنّما المانع عندهم من المضاربة أمر آخر أشرنا إليه في بابه ولا فرق بين البيع للدين والسلم إلّا بالأجل وهو لا يصيّر المجهول معلوماً. (منه رحمهالله).
(٣) اُنظر الوسائل ١٢:١٧١، الباب ٦٠ من أبواب ما يكتسب به.