وفيه : منع القرينة؛ لوقوعه كثيراً على خلاف ذلك ، واحتمال الاستهزاء مندفع عن الآية. ودعوى الهذريّة إنّما يتمّ لو لم يكن الجواب بذلك مفيداً ولو بطريق الاستهزاء ، ولا شبهة في كونه من الاُمور المقصودة للعقلاء عرفاً المستعمل لغةً ، وقيام الاحتمال يمنع لزوم الإقرار بذلك.
﴿ ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى كان إقراراً ﴾ لأنّ «بلى» حرف يقتضي إبطال النفي ، سواء كان مجرّداً نحو (زَعَمَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلىٰ وَرَبِّي) (١) أم مقروناً بالاستفهام الحقيقي كالمثال ، أم التقريري ، نحو (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قٰالُوا بَلىٰ (٢) أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ) (٣) ولأنّ أصل «بلى» : «بل» زيدت عليها الألِف ، فقوله : «بلى» ردٌّ لقوله : «ليس عليك كذا» فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفي له ، ونفي النفي إثبات فيكون إقراراً.
﴿ وكذا ﴾ لو قال : ﴿ نعم ، على الأقوى ﴾ لقيامها مقام «بلى» لغةً وعرفاً ، أمّا العرف فظاهر ، وأمّا اللغة فمنها قول النبيّ صلىاللهعليهوآله للأنصار : «ألستم ترون لهم ذلك؟ فقالوا : نعم» (٤) وقول بعضهم :
أليس الليل
يجمع اُمّ عمرو
وإيّانا،
فذاك بنا تداني
نعم، وأرى
الهلال كما تراه
ويعلوها
النهار كما علاني (٥)
ونقل في المغنى عن سيبويه وقوع «نعم» في جواب «ألست» وحكى عن
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) نسبه في مغني اللبيب ١ : ١٥٤ و ٤٥٢ ، ولم نعثر عليه في التفسير المنسوب إليه ولا في سائر التفاسير.
(٣) الأعراف : ١٧٢.
(٤) اُنظر مغني اللبيب ٢ : ٤٥٣ ، والدروس ٣ : ١٢٢ ، وجامع المقاصد ٩ : ١٩٥.
(٥) اُنظر مغني اللبيب ١ : ١٥٤ و ٤٥٣ ـ ٤٥٤.