أنّها حرف إضراب ، ثمّ إن تقدّمها إيجاب وتلاها مفرد جعلت ما قبلها كالمسكوت عنه ، فلا يحكم عليه بشيء وأثبتت الحكم لما بعدها ، وحيث كان الأوّل إقراراً صحيحاً استقرّ حكمه بالإضراب عنه. وإن تقدّمها نفيٌ فهي لتقرير ما قبلها على حكمه وجعل ضدّه لما بعدها.
ثمّ إن كانا مع الإيجاب مختلفين أو معيّنين لم يقبل إضرابه؛ لأنّه إنكار للإقرار الأوّل ، وهو غير مسموع. فالأوّل ك «له قفيز حنطة ، بل قفيز شعير». والثاني ك «له هذا الدرهم ، بل هذا الدرهم». فيلزمه القفيزان والدرهمان؛ لأنّ أحد المختلفين وأحد الشخصين غير داخل في الآخر.
وإن كانا مطلقين أو أحدهما لزمه واحد إن اتّحد مقدار ما قبل «بل» وما بعدها ك «له درهم ، بل درهم» أو «هذا الدرهم بل درهم» أو «درهم ، بل هذا الدرهم» لكن يلزمه مع تعيين أحدهما المعيّن. وإن اختلفا كمّيّة ك «له قفيز ، بل قفيزان» أو «هذا القفيز ، بل قفيزان» أو بالعكس ، لزمه الأكثر ، لكن إن كان المعيّن هو الأقلّ تعيّن ووجب الإكمال.
﴿ ولو قال : هذه الدار لزيد ، بل لعمروٍ ، دُفعت إلى زيد ﴾ عملاً بمقتضى إقراره الأوّل ﴿ وغرم لعمرو قيمتَها ﴾ لأنّه قد حال بينه وبين المقَرّ به بإقراره الأوّل فيغرم له؛ للحيلولة الموجبة للغُرم ﴿ إلّاأن يصدّقه زيد ﴾ في أنّها لعمرو فتدفع إلى عمرو من غير غُرم.
﴿ ولو أشهد ﴾ شاهدي عدل ﴿ بالبيع ﴾ لزيد ﴿ وقبض الثمن ﴾ منه ﴿ ثمّ ادّعى المواطاة ﴾ بينه وبين المقرّ له على الإشهاد من غير أن يقع بينهما بيع ولا قبض سُمعت دعواه؛ لجريان العادة بذلك و ﴿ اُحلف المقرّ له ﴾ على الإقباض أو على عدم المواطاة.