المقام الثاني : في قيام القرينة الخارجية على الاستحباب ، وهي أن غسل الجمعة أمر محل ابتلاء الرجال والنساء في كل جمعة فلو كان واجباً عليهم لانتشر وجوبه وذاع ووصل إلينا بوضوح ولم يشتهر بين الأصحاب استحبابه ، ولما أمكن دعوى الإجماع على عدم وجوبه كما عن الشيخ قدس‌سره وهذا دليل قطعي على عدم كونه واجباً شرعاً.

وقد ذكرنا مثل ذلك في الإقامة ، لأن الأخبار الواردة فيها لا قصور في دلالتها على الوجوب لكنّا مع ذلك بنينا على استحبابها لعين ما ذكرناه من القرينة ، لأن وجوبها لا يلائم اشتهار الفتوى باستحبابها مع كثرة الابتلاء بها في كل يوم خمس مرات ، فلو كانت واجبة لانتشر وجوبها وذاع ولم تكن مورداً لدعوى الشهرة أو الإجماع على خلافه.

وعلى الجملة إن غسل الجمعة لا يقصر عن صلاة الكسوفين التي اشتهر وجوبها وذاع مع قلة الابتلاء بها ، بل قد لا يتفق في بعض السنين ، وكيف يخفى وجوب غسل الجمعة مع كثرة الابتلاء به في كل أسبوع؟! وقد تقدم أن الشيخ ادعى الإجماع على عدم وجوبه ، ولم يعلم من المتقدمين قائل بوجوبه ، وسبق أن الكليني والصدوق ووالده ( قدس الله أسرارهم ) لم يعلم ذهابهم إلى الوجوب لما مر.

ثم إنه على تقدير القول بالوجوب فهل أنه واجب نفسي أو أنه واجب غيري مقدّمة لصلاة الظهر أو الجمعة؟ لا يحتمل الوجوب النفسي فيه ، لأنه ليس لنا من الأغسال ما يكون واجباً نفسياً ، ولم يحتمل ذلك إلاّ في غسل الجنابة على قول ضعيف تقدّم في محلِّه (١).

وأمّا الوجوب الغيري فيدفعه صحيح ابن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : « كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح » (٢) فان الظاهر من الرواح هو وقت العصر كما‌

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ٣٤٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٣١٧ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٢٢.

۴۴۸