وأمّا المسألة الثانية : أعني ما إذا كان الزمان بحسب العمود معلوماً لا شك فيه كما لو علم أن الباقي من الوقت خمس دقائق ، إلاّ أنه لا يدري الوقت الذي يستدعيه عمله مع الطهارة المائية هل هو خمس دقائق أو أكثر فلأن الاستصحاب وإن كان لا يجري بحسب عمود الزمان لمعلوميته إلاّ أنه يجري بلحاظ الحادث الآخر وهو انقضاء الصلاة مع الطهارة المائية قبله وعدمه ، لأنه مشكوك بهذا اللحاظ ، ولا مانع من أن يكون شي‌ء في نفسه معلوماً ومشكوكاً فيه بالإضافة إلى شي‌ء آخر كما نبّهنا عليه في بعض تنبيهات الاستصحاب عند التعرض لمسألة ما إذا مات المورث وأسلم الوارث وشككنا في المتقدم منهما والمتأخر (١).

وفي المقام يشك في ذلك الزمان المعلوم مقداره هل ينقضي قبل إتمام المكلف صلاته بطهارة مائية أم لا؟ ومقتضى الاستصحاب بقاؤه وعدم انقضائه قبل إتمام الصلاة.

إذن من حيث جريان الاستصحاب لا فرق بين المسألتين.

وأمّا المورد الثاني : فمقتضى صحيحة الحلبي الواردة في الأوقات ، في حديث قال : « سألته عن رجل نسي الأُولى والعصر جميعاً ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال : إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم يصلِّي العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلِّي العصر فيما قد بقي من وقتها ثم ليصل الاولى بعد ذلك على أثرها » (٢) أن خوف الفوت طريق إلى ضيق الوقت وأنه موجب لسقوط الاستصحاب ، لأنه لو لم يكن طريقاً معتبراً شرعاً ومانعاً عن جريان الاستصحاب لكان مقتضى استصحاب بقاء الوقت عند خوف الفوت وجوب البدء بصلاة الظهر قبل العصر مراعاةً للترتيب ، كما لو كان عالماً ببقاء الوقت ، فلا وجه لأمره عليه‌السلام بالابتداء بالعصر إلاّ سقوط الاستصحاب عند خوف الفوت.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٧٧.

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٩ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

۴۴۸