والجواب عن هذا الوجه : أن المورد وإن كان من موارد العلم الإجمالي كما مرّ إلاّ أنه منحل لا محالة. والسر فيه : أن وجود الماء والتمكن من استعماله أمران حادثان وليسا من الأُمور الأزلية ، فمع الشك فيهما يستصحب عدم وجوده أو عدم تمكنه من استعماله ويبقى الشك في وجوب الوضوء عليه بدويّاً لا يعتبر فيه الفحص. والاستصحاب يعين وظيفته ويبين أن اللازم عليه هو التيمّم.

وقد يقال بأن الاستصحاب غاية ما يترتّب عليه هو العجز وعدم التمكّن من استعمال الماء ، وأمّا احتمال الوجود والتمكن فهو باقٍ بحاله ولم يرتفع لعدم إفادة الاستصحاب اليقين بالعدم ، ولا دافع لهذا الاحتمال ، فإن البراءة غير جارية من جهة العلم الإجمالي ، ولم يؤخذ الوجدان في موضوع وجوب الوضوء لينفى بالاستصحاب وإنما أُخذ عدمه في موضوع وجوب التيمّم.

والجواب عنه : أن الآية وإن لم يؤخذ في ألفاظها الوجدان موضوعاً لوجوب الوضوء إلاّ أنه مأخوذ فيها بحسب الواقع لا محالة ، وهذا لأن التفصيل قاطع للشركة وقد فصّل سبحانه في الآية المباركة بين الواجد والفاقد حيث أمر بالتيمّم عند الفقدان ، ومنه يظهر أن غيره وهو الواجد موضوع لوجوب الوضوء ، لأن فاقد الماء إذا كان محكوماً بوجوب التيمّم عليه فلا يخلو إما أن يكون الموضوع لوجوب الوضوء هو الأعم من الفاقد والواجد أو يكون هو الواجد أو يكون هو الفاقد. لا سبيل إلى الأوّل ، للعلم بأن المحكوم بالتيمّم شخص والمحكوم بالوضوء شخص آخر ، وليس شخص واحد محكوماً بهما معاً. كما لا سبيل إلى الأخير ، لأنه محكوم بوجوب التيمّم عليه ، فيتعين أن يكون الموضوع للحكم بوجوب الوضوء هو واجد الماء.

فإذا شككنا في وجدان الماء وعدمه فنستصحب عدمه ، وبه ننفي احتمال وجوب الوضوء ، اللهمّ إلاّ أن يكون مسبوقاً بالوجدان والتمكن من استعمال الماء فإنه حينئذ لا بدّ أن يستصحب التمكن والوجدان ويتعين عليه الوضوء لا محالة.

كما أنه إذا لم يجر شي‌ء من الاستصحابين أو تساقطا بالمعارضة كما إذا كان المكلف مسبوقاً بحالتين متضادتين بأن كان متمكناً من الماء في زمان وعاجزاً عنه في زمان آخر واشتبه عليه المتقدم بالمتأخر فان الاستصحابين إما أن لا يجريا أصلاً كما عليه‌

۴۴۸