المقام الثّاني : قد يقال : إنّ النيّة تعتبر مقارنة لمسح الوجه لأنّه أوّل التيمّم ، وضرب اليدين شرط فيه. ويدلُّ عليه ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال « قلت : رجل دخل الأجمة ... إلى أن قال : إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللّبد أو البَرْذَعة ويتيمّم ويصلِّي » (١) فانّ التيمّم قد تكرّر فيها حيث قال : « فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو البرذعة ويتيمّم ويصلِّي ».

وظاهره أنّ المراد به هو ما أُريد من التيمّم في الأمر به بقوله « فليتيمم » ، ومنه يظهر أنّ التيمّم إنّما يتحقّق بعد ضرب اليد على ما يصح التيمّم به ولا يتحقق من حين الضرب.

والإنصاف أنّ الرواية لا تخلو عن الدلالة ولا أقل من الإشعار بأنّ التيمّم إنّما هو بعد ضرب اليد على ما يتيمّم به وهو مسح الوجه.

إلاّ أنّها ضعيفة السند بأحمد بن هلال الّذي نسب إليه النصب تارة والغلو اخرى وقد استظهر شيخنا الأنصاري قدس‌سره من ذلك أنّ الرجل لم يكن له دين أصلاً (٢) لأنّ البعد بين المذهبين كبعد المشرقين ، فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

إذن يقع الكلام في أن كون التيمّم يبدأ من الضرب بأي دليل. ويمكن الاستدلال عليه بالأخبار البيانية الواردة لتعليم التيمّم وكيفيّته ، فإنّهم في ذلك المقام بعد سؤالهم عن التيمّم ضربوا أيديهم على الأرض ومسحوا بها وجوههم وأيديهم ، كقوله في حسنة الكاهلي : « سألته عن التيمّم فضرب بيده ... إلخ » (٣) فانّ الظاهر منه أنّ التيمّم يبدأ ويشرع من الضرب ، وهكذا غيرها من الأخبار البيانيّة.

بل لو ناقشنا في دلالة تلك الأخبار على المدّعى تكفينا صحيحة إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه‌السلام وأحمد بن محمّد في سندها هو ابن عيسى قال : « التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٤ / أبواب التيمّم ب ٩ ح ٥.

(٢) كتاب الطّهارة : ٥٧ السطر ١٩.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ١.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٦١ / أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٣.

۴۴۸