وهذا بخلاف القصر والتمام ، إذ بعد ما عرفت من كونهما حقيقة واحدة فجواز العدول حينئذ مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، فانّ العدول من أحدهما إلى الآخر قد يفرض في مواطن التخيير وأُخرى في غيرها.
أمّا في الأوّل : فمرجع الوجوب التخييري على ما بيّناه في محله (١) إلى أنّ الواجب إنّما هو الجامع الانتزاعي أعني عنوان أحدهما لا بعينه فخصوصية كل من الفردين ملغاة في مقام تعلق الأمر وخارجة عن حريمه ، إذ ليس المأمور به إلاّ نفس الجامع. وعليه فلو شرع في الصلاة بقصد التمام جاز له العدول إلى القصر وبالعكس ، فإنّه عدول من فرد إلى فرد ، لا من واجب إلى واجب.
وهذا كما لو كان بانياً لدى الشروع في الصلاة على الإتيان بسورة خاصة ثم عند الفراغ من الفاتحة بدا له وعدل إلى سورة أُخرى ، فإنّ هذا لا ضير فيه قطعاً ، إذ الواجب إنّما هي الصلاة المقيّدة بجامع السورة ولا عدول في ذلك ، وإنّما العدول من فرد إلى فرد لم يتعلق الأمر بشيء منهما. والمقام من هذا القبيل كما هو واضح ، بل له الشروع في الصلاة مقتصراً على نيّة الظهر مثلاً من دون قصد شيء من القصر والتمام ، ثم بعد البلوغ إلى حدّ الافتراق يختار أحد الفردين.
وأمّا في الثاني : كما لو شرع في الصلاة بنيّة التمام قاصداً للإقامة ثم بدا له فيها وعزم في الأثناء على السفر فعدل إلى القصر ، فانّ العدول حينئذ وإن كان من واجب إلى واجب ، لوجوب التمام بخصوصه لدى الشروع بعد كونه قاصداً للإقامة آن ذاك ، إلاّ أنّ الوجوب لم يكن فعليّاً منجّزاً ، بل كان معلقاً على استدامته على ذاك القصد إلى الانتهاء عن الصلاة ، كما كان مأموراً بالقصر أيضاً على تقدير العدول عن قصده.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٤٠.