والثالث : كما في مواطن التخيير ، فإنّه يجوز له العدول من كل منهما إلى الآخر مع بقاء محله.
وممّا تقدم يظهر أنّ العدول في هذه الموارد ليس من العدول المبحوث عنه في المقام ، إذ القصر والتمام ليسا حقيقتين متباينتين وماهيتين من الصلاة ، بل صلاة الظهر مثلاً ماهية واحدة ذات فردين مختلفين في الأحكام كالجماعة والفرادى فيجب التسليم على الركعة الثانية إن كان مسافراً ، وعلى الرابعة إن كان حاضراً ، ومحل الكلام هو العدول من صلاة إلى صلاة أُخرى ، لا من فرد إلى فرد آخر مع اتحاد ماهيتهما كما في هذه الموارد. ومن هنا ذكرنا سابقاً أنّه لو قصد أحد الفردين فأتمّ على الفرد الآخر غفلة كما في مواطن التخيير صحت صلاته ، لعدم الإخلال بالمأمور به بوجه.
وتوضيح المقام : أنّ الفرق بين القصر والتمام هو الفرق بين الطبيعة بشرط لا ، والطبيعة بشرط شيء ، فهما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بلحاظ العوارض اللاحقة للطبيعة ، فصلاة الظهر مثلاً إن لوحظت مقيّدة بعدم اقترانها بالركعتين الأخيرتين فهي القصر ، وإن لوحظ انضمامها بهما فهي التمام ، فلا اختلاف بينهما من حيث الذات بل هما متحدان في الحقيقة والعنوان.
وإنّما الفرق نشأ من الخصوصيات الملحوظة في كل من الفردين ، فليس حالهما كالفريضة والنافلة ، والأداء والقضاء ، والظهر والعصر ، حيث إنّهما متعددان عنواناً ، ومختلفان ماهية ، ومن هنا كان العدول فيهما على خلاف القاعدة ، لعدم كون الصلاة حينئذ مصداقاً لشيء من الماهيتين ، فلا تقع امتثالاً لشيء من العنوانين بعد وضوح عدم تعلق الأمر بالصلاة الملفّقة منهما ، فيحتاج جواز العدول فيها إلى دليل بالخصوص ، وقد عرفت اختصاصه بالحاضرتين والفائتتين ، ومن الحاضرة إلى الفائتة ، ومن الفرض إلى النفل ، دون غيرها من بقية الموارد على البيان الذي سبق في محله.