ومع ذلك تحقق الاختلاف بعد ذلك كثيراً حتى اشتهرت القراءات السبع وغيرها في عصر الأئمة ، وكانت على اختلافها بمرأى ومسمع منهم : ، فلو كانت هناك قراءة معيّنة تجب رعايتها بالخصوص لاشتهر وبان وكان من الواضحات وكان ينقله بطبيعة الحال كابر عن كابر وراوٍ عن راوٍ ، وليس كذلك بالضرورة ، فيظهر جواز القراءة بكل منها كما عليه العامّة وإلاّ لبيّنوه : ونقل إلينا بطريق التواتر ، كيف ولم يرد منهم تعيين حتى بخبر واحد.
نعم ، إنّ هناك رواية واحدة قد يظهر منها التعيين ، وهي رواية داود بن فرقد ، والمعلى بن خنيس جميعاً قالا : « كنّا عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ، ثم قال أما نحن فنقرؤه على قراءة أُبيّ » (١) واحتمل ضعيفاً أن تكون العبارة هكذا على قراءة أبي يعني الباقر عليهالسلام.
وكيف كان ، فهي محمولة على إرادة مورد خاص (٢) كانت القراءة فيه شاذّة أو مغيّرة للمعنى ، لما عرفت من أنّ التعيين لو كان ثابتاً لنقل بالتواتر وكان من الواضحات ، كيف وقد ادعي الإجماع على جواز القراءة بكل قراءة متعارفة
__________________
(١) الوسائل ٦ : ١٦٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٤ ح ٤.
(٢) ولكن يبعّده ملاحظة متن الحديث بتمامه ، فإنّه كما في الكافي ٢ : ٦٣٤ / ٢٧ هكذا : عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا : « كنا عند أبي عبد الله عليهالسلام ومعنا ربيعة الرأي فذكرنا فضل القرآن ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قرائتنا فهو ضال ، فقال : ربيعة ضال؟ فقال : نعم ، ضال ، ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام أما نحن فنقرأ على قراءة ابيّ ».
فانّ قول أبي عبد الله عليهالسلام « إن كان ابن مسعود ... » إلخ بعد تذاكر القوم في فضل القرآن بشكل عام لا ينسجم مع كون نظره عليهالسلام إلى مورد خاص كما لا يخفى.